من بعد ظهور نور الإسلام ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم والغالبية العظمى من سكان جزيرة العرب متمسكون بدين الإسلام ولا يرضون له بديلاً، وهم على خطى الرعيل الأول الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية.
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون ويكثر فيهم السمن» [متفق عليه].
وتلك القرون المفضلة كان منهجهم الاهتمام بالتوحيد ونبذ الشرك وإعلان البراءة من المشركين، ورفض البدع المحدثة، ولما رأى أعداء الإسلام تمسك المسلمين بدينهم أغاظهم ذلك فأخذوا يتربصون بالإسلام وأهله وبدأوا يكيدون بالمسلمين ليزعزعوا عقيدتهم بإثارة الشبهات وابتداع مذاهب باطلة لزرع الفتنة بين المسلمين، مذاهب تدعي الإسلام وهي تخالفه ظاهراً وباطناً، مذاهب تقوم على معتقدات خاطئة في تصورها لوحدانية الله جل وعلا وتحريفها لأسمائه وصفاته وما تدل عليها من ثبوت الكمال للرب جل وعلا، مذاهب لم تؤمن بأن دين الإسلام جعل الاتباع ينحصر في سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهو الرسول المعصوم من ربه الذي لا ينطق عن الهوى {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}، وهو خاتم الأنبياء وعنه سيكون السؤال في القبر: (من نبيك)، وهذه المذاهب الباطلة تخالف الإسلام في الأصول والفروع.
موقف المسلم من أهل الباطل
أهل الباطل يبين لهم الحق لكي يرجعوا إليه فينعموا بالسعادة في الدارين، ويكون الهدف من دعوتهم هو طلب هدايتهم والسعي لإنقاذهم من نار تلظى، ولكي تقام عليهم الحجة إبراء للذمة قال تعالى: {رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} وفي بيان الحق لهم إنكار لما هم عليه منكر في الاعتقاد والعمل وذلك امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان»رواه مسلم.
فلايجوز شرعا أن يقف المسلم تجاه أهل الباطل موقف المتفرج الذي لايعنيه مايقومون به من مخالفة لدين الله.
المداهنة: الملاينة والمداهنة إظهار الموافقة لحظ في النفس.
قال تعالى: {ودوا لو تدهن فيدهنون} فكفار قريش يطمعون في أن يلين النبي صلى الله عليه وسلم معهم فلا يسفه آلهتهم ويسكت عن باطلهم فإذا فعل ذلك فسوف يرضون عنه ولايعادونه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يداهنهم وانما أظهر الحق وأعلن البراءة من باطلهم وذلك منة من الله عليه ورحمة منه جل وعلا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولقد عصمه الله من الوقوع في الزلل ومداهنة أهل الباطل قال تعالى: {ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لاتجد لك علينا نصيرا}الاسراء: 74.
بلادنا أهلها ولاؤهم للاسلام، وفرحهم شديد بالالتزام بشعائر الاسلام، وفي كل قضية تطرح ولها علاقة بالاسلام يعلنون تأييدهم الكامل لتعاليم دينهم ورغبتهم في تطبيقه في شؤون حياتهم، وهم يعارضون نشر المعتقدات الفاسدة ونصرة المذاهب الباطلة، ويحاربون الفساد والرذيلة، ولا يقرون التبرج والسفور ولكن من الذي يقف أمام مايرجون؟ ويسمح للباطل أن يرفع صوته ويستمر في غيه، ويأذن لأهل التبرج والسفور بأن يعملوا مايريدون دون حياء.
من يغضب الله بتخاذله عن نصرة الحق،ومداهنته لأهل الباطل والفساد قد تنزل به عقوبة الله العاجله فيهلك ويهلك من حوله والعذاب اذا نزل قد يعم الجميع ثم يبعثون على نياتهم عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يغزوا جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم قالت: قلت يارسول الله كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ؟قال: يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم) رواه البخاري ومسلم.
فإذا كثر الفساد وحصل اقرار للفساد وسكوت عن الباطل فالهلاك يحدث مع وجود الصالحين روى البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش رضي الله عنها قالت: يارسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم اذا كثر الخبث.
فمن لم يشكر ربه وكفر نعمته قد تنزل به العقوبة فينقلب آمنه خوفا وغناه فقرا قال تعالى (وضرب الله مثلاً قرية كانت أمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) النحل 112.
لامداهنة مع أهل الباطل ودعاة الانحلال فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف فالنجاة في اتباع أمرالله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وانكار المنكر وكشف زيف الباطل ومحاربة الفساد والرذيلة وطلب رضى الله في ذلك فما ننعم به من أمن ورخاء في بلادنا قد يسلب منا اذا جاهرنا الله بالمعاصي وداهنا اهل الباطل على حساب ديننا طمعا في سلامة دنيانا فمن أسخط الله برضى الناس سخط الله عليه وأسخط الناس عليه ومن أسخط الناس برضى الله رضي الله عنه وأرضى الناس عنه وهذا ليس بدعاً من القول وانما هو قول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ( من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله ومن أسخط الله برضا الناس وكله الله إلى الناس)رواه ابن حبان وصححه الألباني
ومن طلب رضى الله واستعان به وقام بحق الله عليه وانكر المنكر ولم يداهن أهل الباطل حفظه الله من كل مكروه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك اذا سألت فاسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لواجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح نسأل الله أن يجعلنا من أنصار دينه وأن يجنبنا سخطه ويجعلنا هداة مهتدين.