جرس الهاتف 2024.

دخل المعلّم الصّف، أمسك الطّباشير، وقبل أن يكتب عنوان الدرس، خرج عدنان من مقعده، وتوّجه إليه ممسكاً بيده ورقة وقال:

تفضّل يا أستاذ، خذ هذه الورقة، لقد وجدتها في درج مقعدي، وقد كتب عليها كلمات غير مؤدّبة!
أمسك المعلم الورقة، فتحها وقرأها في سرّه، وعلامات الغضب ظاهرة على وجهه.
ساد الصّمت جّو الصف، أفواه التلاميذ مفتوحة، قلوبهم تنبض بسرعة.
كسر المعلّم الصّمت بقوله:
ضعوا دفاتر القراءة أمامكم، وافتحوها.
أخرج التّلاميذ دفاترهم، بينما راح المعلّم يتجوّل بينهم.
فجأة.. وقف عند مروان، أمسك دفتره، قارن بين خطّه في الدّفتر والخط في الورقة، ثمّ رمقه بنظرة قاسية.
خاف مروان، واحمرّت أذناه.
قلّب المعلّم صفحات الدفتر، وإذ بورقة مقطوعة.
وضع الورقة الّتي بيده مكان الورقة المقطوعة، فاكتشف أنها قطعت من هذا الدفتر.
انفجر مروان باكياً، وقال:
السماح يا أستاذ، لن أكرّر ما فعلته.
أمسك المعلّم أذن مروان، قال:
كم رقم هاتفكم؟
خمس وأربعون.. صفر.. اثنان وخمسون.
أكمل المعلّم الدّرس، وانقضى اليوم الدّراسي، وانصرف التلاميذ إلى بيوتهم.
في ذاك اليوم، كان مروان على غير عادته، فما إن دخل منزله حتّى جلس قرب الهاتف ذي اللون البنّي، والخوف ظاهر في عينيه، كان ينظر كلّ مدّة إليه، فيشعر بأنّه يشبه ذئباً مفترساً.
تذكّر ما فعله مع صديقه عدنان، وراح يحدّث نفسه:
لماذا فعلت هذا، عدنان تلميذ مجتهد، المفترض أن أجتهد كي أنافسه، لا أن أغار منه وأكتب له عبارات بذيئة.
عضّ مروان على أظافره بقوّة، كأنّه يؤنّب نفسه، فجأة رنّ جرس الهاتف، كاد قلب مروان يقفز من بين ضلوعه كالأرنب، ركض إلى الهاتف، رفع السماعة، قال:
الرقم غلط.. الرقم غلط.
لكنّه سمع على الطرف الآخر صوت عمّته.
الحمد لله.. إنه ليس المعلم.
هكذا قال مروان، وزفر بقوّة، مصدراً صفيراً ممطوطاً.
عفواً عمّتي، لم أميّز صوتكِ، سأنادي لك أمّي، إنها في المطبخ.
بعد قليل، وما إن انتهت المكالمة، حتّى عاد الرّعب يدب في قلب مروان، كأنّه النّمل.
وبينما هو في حيرة، يمشي جانب الهاتف بخطوات تائهة، إذ رنّ جرس الهاتف، رفع السّمّاعة، وقبل أن يكمل كلمة "آلو" جاءه
صوت معلّمه:
مروان.. أرجو أن تكون قد أحسست بغلطك، أنت تلميذ مهذّب ويجب أن تبقى كذلك.. وداعاً.
أرجع مروان السّمّاعة إلى مكانها، نظر إلى قرص الأرقام فبدا لـه كأنّه وجه مدوّر، لكنه عابس.
فكّر قليلاً، رفع السّمّاعة، واتصل بصديقه عدنان.
ومع كلّ كلمة اعتذار، كان قرص الهاتف يتحول إلى وجه مبتسم وضاحك.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.