ابليس لا سلطان له على خلفاء الله في الارض 2024.

ابليس لا سلطان له على خلفاء الله في الارض

خبر الله سبحانه في سورة الحجر ان ابليس لا سلطان له على عباده المخلصين ، في ذكره ما داربينه و بين ابليس من محاورة ، وذلك في قوله تعالى : قال … ( رب بما اغويتني لا زينن لهم في الا رض و لا غوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين ان عبادي ليس لك عليهم سلطان الا من اتبعك من الغاوين ) (4) .
و اخبر تعالى عما جرى بين يوسف و زليخا ، و كيف يعصم الله المخلصين من اغواء الشيطان ، حيث قال تعالى في سورة يوسف : ( و لقد همت به و هم بها لولا ان راءى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء انه من عبادنا المخلصين ) (5) و عرفنا ان الوصف المذكور من شروط الامامة في ما اخبر الله عما دار بينه و بين خليله ابراهيم (ع) في سورة البقرة ، و قال : ( و اذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال و من ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين ) (6) و ذكر في سورة الانبياء ان الذين جعلهم ائمة ، يهدون بامره ، و قال تعالى : ( و جعلناهم ائمة يهدون بامرنا … ) (7) و ذكر منهم في تلك السورة نوحا و ابراهيم و لوطا و اسماعيل و ايوب و ذا الكفل و يونس وموسى و هارون و داود و سليمان وزكريا و يحيى و عيسى (ع) .
و كان في من وصفهم بالامامة في هذه السورة : النبي والرسول و الوزير و الوصي.
اذا فقد بان لنا ان الله تبارك و تعالى اشترط لمن جعله اماما ان يكون غير ظالم.
و قد وصف الله الامام بانه خليفته في الارض ، كما ورد في خطابه لداود (ع) في سورة ص : ( يا داود انا جعلناك خليفة في الا رض ) (8) و ورد في وصفه لادم (ع) في خطابه للملائكة في سورة البقرة : ( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الا رض خليفة … ) (9) كما سنشرحه بعد تفسير كلمات الايات ان شاء الله تعالى.

شرح الكلمات :

ا ـ اغويتني ، و لاغوينهم ، و الغاوين : غوى فهو غاو : انهمك في الغي.
و اغواه : اضله و اغراه ، و قصد اللعين بقوله اغويتني : انه تعالى بلعنه و قوله له قبل هذه الاية : ( وان عليك اللعنة الى يوم الدين ) ، ابعده عن رحمته جزاء تمرده و امتناعه عن السجود لادم ، كماقال تعالى في سورة البقرة : ( يضل به كثيرا و يهدي به كثيرا و ما يضل به الا الفاسقين ) (10)
ب ـ لازينن لهم : اي : اءحسن لهم سوء اءعمالهم ، كما قال سبحانه و تعالى : ( زين لهم الشيطان اعمالهم ) (11) و ( زين لهم سوء اعمالهم ) (12)
ج ـ المخلصين : المخلصون : هم الذين اخلصهم الله لنفسه بعدما اخلصوا انفسهم للّه ، فليس في قلوبهم محل لغيره.
د ـ ابتلى : بلاه بلاء و ابتلاه ابتلاء : امتحنه و اختبره بالخير و الشر والنعمة و النقمة.
ه ـ بكلمات : المقصود من الكلمات هنا قضايا امتحن الله بها ابراهيم (ع) ، مثل ابتلائه بعباد الكواكب و الاصنام ، و احراقه بالنار ، و تضحيته بابنه ، و امثالها.
و ـ فاتمهن : اي : اكمل اداءهن.
ز ـ جاعلك : وردت جعل بمعنى : خلق و اوجد و حكم و شرع و قرر وصير ، و الاخير هو المقصود هنا.
خ ـ اماما : الامام : هو المقتدى للناس في الاقوال و الافعال.
ط ـ الظالمين : الظلم : وضع الشي ء في غير موضعه ، و الظلم ـ ايضا ـ تجاوز الحق.
و الظلم ثلاثة انواع : اولا : ظلم بين الانسان و ربه ، و اعظمه الشرك و الكفر ، كما قال سبحانه في سورة لقمان : ( ان الشرك لظلم عظيم ) (13) و في سورة الانعام : ( فمن اظلم ممن كذب بيات الله … ) (14) ثانيا : ظلم بين الانسان و غيره ، كما قال سبحانه و تعالى في سورة الشورى : ( انما السبيل على الذين يظلمون الناس ) (15) ثـالثـا : ظلم الانسان نفسه ، كما قال سبحانه و تعالى في سورة البقرة : ( … و من يفعل ذلك فقدظلم نفسه ) (16) و في سورة الطلاق : ( و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ) (17) و كل نوع من الظلم ظلم للنفس.
يقال لمن اتصف بالظلم في اي زمان من عمره المتقدم منه او المتاخر : ظالم.
ي ـ همت به و هم بها : هم بالامر : عزم على القيام به و لم يفعله.
ك ـ راى : راى بالعين : نظر ، و بالقلب : ابصر ، و ادرك.
ل ـ برهان : البرهان : اوكد الادلة ، و الحجة البينة الفاصلة ، و ما رآه يوسف اكثر من هذا.
تاويل الايات : قال ابليس لرب العالمين : رب بما لعنتني و ابعدتني عن رحمتك لازينن للناس في دار الدنياالاعمال السيئة ، كما قال سبحانه :
ا ـ في سورة النحل : ( لقد ارسلنا الى اءمم من قبلك فزين لهم الشيطان اعمالهم ) (18)
ب ـ في سورة الانفال : ( و اذ زين لهم الشيطان اعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم … ) (19)
ج ـ في سورة النمل : ( … يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم عن السبيل … ) (20) و قال الشيطان : لازينن للناس اعمالهم و لاغوينهم اجمعين الا عبادك الذين اصطفيتهم لنفسك.
و قال الله في جوابه : انك لا سلطة لك على من اتبعك من المنهمكين في الغي و الضلالة ، و اخبرتعالى عن شان عباده المخلصين في ما حكاه عن خبر يوسف (ع) و زليخا ، حيث قال : ( و لقدهمت به و هم بها لولا ان راءى برهان ربه ) في بيت خلا عن كل انسان ما عدا يوسف (ع) .
و زليخا عزيزة مصر و مالكة يوسف ، همت ان تنال ماربها من يوسف ، و لولا ان يوسف راى برهان ربه لهم بقتلها و هو السوء ، او هم بالفحشاء كما هو مقتضى طبيعة الحال التي كان عليهاالفتى مكتمل الرجولة غير المتزوج مع مالكته الفتاة مكتملة الانوثة المترفة في بيت خلا من كل احد ، و لكنه راى برهان ربه و استعصم ، فقد كان ممن اخلصه الله لنفسه.
فما هو البرهان الذي رآه يوسف (ع) ؟ و كيف رآه ؟ ان يوسف (ع) راى آثار العملين على نفسه كالاتي بيانه :

اثر العمل و خلوده و انتشار البركة و الشؤم من بعض الاعمال على الزمان و المكان

امعرفة معنى عصمة الانبياء ينبغي ان ندرس كيفية انتشار البركة و الشؤم على الزمان و المكان وآثار اعمال الانسان في الدنيا و الاخرة ، فنستعين الله و نقول : قال الله سبحانه و تعالى :
ا ـ في سورة البقرة : ( شهر رمضان الذي اءنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) (21)
ب ـ في سورة القدر : ليلة القدر خير من الف شهرو ما ادريك ما ليلة القدر ( انا انزلناه في ليلة القدر سلام هي حتى مطلع الفجر ) .
تنزل الملائكة و الروح فيها باذن ربهم من كل امر انزل الله القرآن على خاتم انبيائه في ليلة من ليالي شهر رمضان ، فاصبحت تلك الليلة ليلة القدر تنزل الملائكة و الروح فيها كل سنة بامر ربهم ابد الدهر ، و انتشرت البركة من تلك الليلة الى كل شهر رمضان كذلك ابد الدهر.
و ان الجمعة اصبحت مباركة منذ عهد آدم (ع) ، و ان عصر التاسع من ذي الحجة اصبح مباركايغفر الله ذنوب عباده فيه بمنى لنزول المغفرة على آدم (ع) فيه ، و اصبحت اراضي عرفات والمشعر و منى اراضي مباركة في التاسع و العاشر كم ذي الحجة على كل بني آدم (ع) بعد ذلك ، وبقي اثرها كذلك ابد الدهر.
و كذلك اصبح اثـر قدمي ابراهيم (ع) في البيت على تلك الكتلة من الطين التي رقى عليها ابراهيم (ع) لبناء جدار البيت مباركا ، فامرنا الله باتخاذها مصلى بعد ذلك ابد الدهر و قال : ( واتخذوامن مقام ابراهيم مصلى ) .
و كذلك الشان في انتشار الشؤم كما كان من امر بيوت عاد في الحجر بعد نزول العذاب عليهم ، كما اخبرنا رسول الله (ص) عنها عند مروره عليها في غزوة تبوك ، و جاء خبره في كتب الحديث والسيرة ، و قالوا ما موجزه : لما سار رسول الله (ص) الى غزوة تبوك في سنة تسع من الهجرة مر بالحجر ـ ديار ثمود بوادي القرى في طريق الشام من المدينة ـ فنزل قبل ان يمر بها ، فاستقى الجيش من بئرها ، فنادى منادي النبي ان : لا تشربوا من ماء بئرهم ، و لا تتوضاوا منه للصلاة ، فجعل الناس يهريقون ما في اسقيتهم و قالوا : يا رسول الله قد عجنا ، قال : اعلفوها الابل خوف ان يصيبكم مثل ما اصابهم.و لما ارتحل و مر بالحجر ، سجى ثوبه على وجهه واستحث (22) راحلته و فعل الجيش كذلك ، وقال رسول الله (ص) : لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا الا و انتم باكون.
و جاء رجل بخاتم وجده في الحجر في بيوت المعذبين ، فاعرض عنه و استتر بيده ان ينظر اليه ، و قال : القه (23) .
و وقع نظير ذلك للامام علي (ع) كما رواه نصر بن مزاحم وغيره ،
و اللفظ لنصر في كتابه وقعة صفين بسنده ، قال : كان مخنف بن سليم يساير عليا ببابل (24)
قال : فحرك دابته و حرك الناس دوابهم في اثره ، فلما جاز جسر الصراة نزل فصلى بالناس العصر (25) .
و في رواية راو آخر : قطعنا مع امير المؤمنين جسر الصراة في وقت العصر ، فقال : ان هذه ارض معذبة لا ينبغي لنبي ولا وصي نبي ان يصلي فيها (26) . ، فقال الامام علي (ع) : ان ببابل ارضا خسف بهافحرك دابتك لعلنا نصلي العصر خارجا منها.


1 ـ البقرة : 124.
2 ـ الانفال / 46.
3 ـ النساء / 59.
4 ـ الايات 30 ـ 42.
5 ـ الاية 24.
6 ـ الاية 124.
7 ـ الاية 73.
8 ـ الاية 26.
9 ـ الاية 30.
10 ـ الاية 26.
11 ـ الانفال /48 , النحل /24 , العنكبوت /37.
12 ـ التوبة /37.
13 ـ الاية 13.
14 ـ الاية 157.
15 ـ الاية 42.
16 ـ الاية 231.
17 ـ الاية 1.
18 ـ الاية 63.
19 ـ الاية 48.
20 ـ الاية 24 .
21 ـ الاية 185.
22 ـ سجى ثوبه على وجهه : غطاه , و استحث راحلته : استعجلها.
23 ـ الخبر في مادة الحجر في معجم البلدان , و خبر غزوة تبوك في سيرة ابن هشام
24 ـ بابل في العراق بين الكوفة و بغداد, و جسر الصراة كان على نهر الصراة بالقرب من بغداد.
25 ـ صفين : 135 .
26 ـ في البحار 41 : 168 , عن علل الشرائع : 124 , و بصائر الدرجات : 58.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.