السلام عليكم ورحمة اله وبركاته
الحمد للواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له ولا ولد
وصلاة وسلاما دائمين على خير الخلق وعلى آله وصحبه وبعد :
الأحوال تتبدل والدنيا تتغير وبين هذا وذاك قلوب فتها الهم ومدامع سكبها الألم ..
فما أشد حاجة قلوبنا لتقوية رباطها مع خالقها وتحقيق معاني الإيمان فيها ..
ما حقيقة هذه الحياة ؟ ولم لم يسلم من أكدارها ومنغصاتها أحد ؟
هل يوجد إنسان منذ يحيا إلى أن يموت خلا دهره من المنغصات ؟
انظري لوصف الرب تبارك وتعالى لها في كتابه العزيز :
(واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا )
عجبا !! نشيّد ونتعب ونسعى لنيل أعلى ما فيها ونحزن لفوات شيء منها ثم في النهاية كل هذا الجهد يكون كالمطر إذا نزل على النبات فيستوي وتبهج النفس برؤيته ثم ما إن ينقطع عنها الماء ينتهي ويصبح يابساً تطيره الرياح وتفرقه ..
ويقول الرب جل في علاه : (وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع )
يقول ابن كثير :
حقر الله الحياة الدنيا بالنسبة إلى ما ادخره تعالى لعباده المؤمنين في الدار الآخرة فقال " وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع " كما قال " قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا " وقال " بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى " وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن يحيى بن سعيد قائلا : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن المستورد أخي بني فهرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" ما الدنيا في الآخرة إلا كما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بم ترجع " وأشار بالسبابة رواه مسلم في صحيحه وفي الحديث الآخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجدي أسك ميت والأسك الصغير الأذنين فقال " والله للدنيا أهون على الله من هذا على أهله حين ألقوه " .
إذن فالدنيا ليست هي دار المقام وليس هذا موضع سؤال ولكن السؤال كيف نواجه الفتن والمصائب والشبهات التي تواجهنا فيها ؟
كيف نذوق حلاوة الإيمان إذا نغصتنا مرارة الألم ؟ كيف نتعايش مع الابتلاءات التي قد يواجهها المسلم ؟
كلنا نعلم حقيقة الدنيا مصائب و رزايا ، و محن و بلايا ، صرخات و زفرات ،و انات و آهات
طبعت على كدر و أنت تريدها صفوا من الأقذاء و الأكدار
أخية : أياً كانت مصيبتك وأياً كانت بليتك لابد أن نعلم قلوبنا الركن السادس من أركان الإيمان لابد أن نجتهد في أن تتشبع قلوبنا بأعمال القلوب التي هي أولى وأهم من أعمال الجوارح ..
لابد أن نتعلم الرضا بأمر الله .. الرضا الذي هو جنة الدنيا .. نتعلم الصبر والاحتساب عند الرزايا فإنما الصبر عند الصدمة الأولى
يقول الحق جل في علاه : (( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ))