القرآن العظيم دستور المسلمين ومنهاج حياتهم ، وبه تستقيم حياة الفرد والمجتمع ، ارتضاه الله عزوجل ليكون لهم ـ بل وللعالم أجمع ـ منهج حياة ، فقدَّمه على الخلق بقوله : ( الرَّحْمَن ، عَلمَ القرْآن ، خلق الإنسان ، علمَه البيان ) الرحمن 1 ـ 3 .فرسم لهم المنهج وحدد لهم الطريق حتى قبل خلقهم لتستقيم حياتهم ؛ لذا فالغاية من نزول القرآن هى العمل بما جاء فيه من الأوامر والنواهى ، فهو ليس كتابا للقراءة فحسب بل جعله الله نورَا وهدى للناس ؛ ليعملوا بما فيه ، ويلتزموا حدوده ، قال تعالى ( اتبعوا ما ُنزل إليكم من ربِّكُم ولا تتبعوا من دونه أولياء ) الأعراف : 3 فمن ابتغى من القرآن غير ما ا ُنزل لأجله فقد ت َنكَّبَ سواء السبيل، وضل عن هدى ربِّ العالمين
والعمل بالقرآن يعنى : أن يتخذه المسلم شِرْعَة ومنهاجا فى حياته ، فيأتمر بأوامره وينتهى عن نواهيه ، ويحتكم إليه فى كل شؤونه الخاصة والعامة ؛ فيصبح يًرى مأنه قرآن يمشى عللى الأرض ، وهذا ما أشارت أم المؤمنين عائشة عندما سُئلت عن خـُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولها " كان خلقه القرآن ". أى بتطبيقه لآيات الله وأحكامه وآدابه ، وتجنبه نواهيه .
ولأهمية العمل بالقرآن نجد كثيرا من الأيات تربطك بين الإيمان والعمل ، كما فى قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ) يونس : 9 . والحق إن القرآن الكريم ملئ بالآيات الدالة على أن الحكمة من نزوله إنما هى العمل بما جاء فيه ؛ ولذلك لايؤجر صاحب القرآن الأجر الكامل المستوفى إلا بعد تطبيقه واقعا معاشا فى الحياة ، والإهتداء بهديه المبارك ، ولعمل به آناء الليل وأطراف النهار .
وغالب المسلمين اليوم لايعلمون من القرآن إلا تلاوته !
وقد حذر النبى صلى الله عليه وسلم أصحابه رضى الله عنهم من أفعال طائفة تأتى من بعدهم يفرأون القرآن ، غير أن القراءة لاتتعدى حناجرهم ، وتبقى فى حيِّز الآصوات بلا عمل ، فقال : " يخرج فى هذه الأمة ـ ولم يقل منها ـ قوم تـَحْقِرون صلاتكم مع صلاتهم ، يقرءون القرآن لايُجاوز حلوقهم أو حناجرهم ، يمرقون من الدين مُرُوق السَّهم من الرَّمِيَّة " البخارى 6931
قال الشيخ صالح آل فوزان : " ومن ثَّـَمَّ افترق الناس بالنسبة للعلم والعمل ثلاث فرق :
الأول : الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح ، وهؤلاء قد هداهم الله صراط المُنـْعَم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا .
الفريق الثانى : الذين تعلموا العلم النافع ولم يعملوا به ، وهؤلاء المغضوب عليهم من اليهود وم نحا نحْوَهم .
الفريق الثالث : الذين يعملون بلا علم ، وهؤلاء هم أهل الضلال من النصارى ومن نحا نحوهم .
ويشمل هذه الفرق الثلاث قوله تعالى فى سورة الفاتحة : ( اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب : وأما قوله تعالى : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فالمغضوب عليهم : هم العلماء الذين لم يعملوا بعلمهم ، والضالون : العاملون بلاعلم ؛ فالأول صفة اليهود والثانى صفة النصارى .
ويترتب على كون القرآن العظيم كلام الله تعالى وجوب العمل به بما ورد فيه ، وما دل عليه من أحكام ، وحرمة العدول عنه إللى غيره .
يقول الحق سبحانه وتعالى : ( اتبع ماأ ُحِىَ إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين ) الأنعام : 106 .
ولقد وعد الله تعالى من عمل بالقرآن العظيم بأن يُحْييه حياة طيبة فى قوله تعالى : ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيننهحياة طيبة ولنجينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ، كما وعد الله بالهداية ، قال تعالى ( فبشر عباد ، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ) الزمر : 17 ـ 18 فهذا أمر تكريم من الله لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن يُبشر الذين يستمعون القرآن ، ثقم يقودهم هذا الإستماع إلى العمل به وتطبيقه .
قال ابن عباس رضى الله عنهما : " ضمن تعالى لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضل فى الدنيا ، ولايشقى فى الآخرة" ثم تلا قوله تعالى : ( فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هُداى فلا يضل ولايشقى ) طه : 123 .
كما وعده الله بالرحمة فى الدنيا والآخرة . قال تعالى ( وهذا كتاب أنزلنه مُبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ) ؛ فهذه الآية الكريمة تدل دلالة واضحة على أن أقصر سبيل وأوضحه لنيل رحمة الله تعالى هو اتباع هذا الكتاب العظيم ، علما وعملا .
فينبغى لقارئ القرآن أن يقرأه بنية العمل ، بنية البحث عن علم ليعمل به ، فيقف عند آياته فينظر ماذا تطلب منه من العمل ؟ هل من أمر يؤتمر به ، أو شئ يُنهى عنه ، أو فضيلة يُدْعى ألى التحلى بها ظ
عليه أن يقرأ القرآن بقصد البحث عن حل مشكلة ، أو إصلاح خلل فى حيته ، أو فى شخصيته .
ينبغى أن يكونقريبا منه ليربى به نفسه ويهديها ؛ فالقرآن هو الدليل العملى لكل مؤمن فى هذه الحياة .
2 ـ قراءة القرآن بقصد العمل به