——————————————————————————–
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنار عقولنا ويسر طريقنا وشغل أوقاتنا بما ينفعنا
نحمده تعالى ونشكره كثيرا ونصلي على نبيه محمد صلى الله تعالى
عليه وسلّم سيد المرسلين وإمام المتقين وعلى أله وأصحابهِ أجمعين
اخواني اخواتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القلوب منبع المشاعر ومصدر العواطف ومحرك الأَخلاق وموجه
التصرفات وإذا صلحت صلحت كل الأعمال والأخلاق كما في
الصحيحين أن النبي محمد صلى الله عليه وسلّم قال:
(ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذ فسدت
فسد الجسد كله ألاّ وهي القلب)
وفي مسند الإمامِ أحمد أن النبي محمد صلى الله عليه وسلّم قال:
(لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه)
إن تزكية النفوس هي إِحدى الغايات التي بعث لأجلها الرسل قال
تعالى:
{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ }
الجمعة/2
وكَثيرًا ما تجد الآيات تصب معانيها على القلب.
أن الشجاعة والكرم والحب والعطف والشفقَة والإحسان والبر
والتقوى والإيثار والأنس بالله واللذة بمناجاته والإيمان واليقين وكل
أنواع الخير لا يمكن أن توجد إلاّ في القلوب الطاهرة الزكية ولا
يمكن أن تسكن قلبا ملوثا بالغل والحسد والأنانية والأثرة وسوء
الظن بالآخرين لذا كان من دعاء إبراهيم الخليل عليه السلام:
{وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ
بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } الشعراء/87 -89
وكان مِن دعاءِ نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم :
(وأسألك قلبًا سليما)
ولذا كان الصالحون والأخيار أحرص ما يكونون على تفقد قلوبهم
وإِصلاحها وتصفيتها ولقد علق الله تعالى فلاح العبد على زكاء نفسه
فقال سبحانه بعد أن أقسم أحد عشر قسما
{ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } الشمس/9ـ 10
إن القلوب السليمة والنفوس الزكية هي التي امتلأت بالتقوى
والإيمان ففاضت بالخير والإحسان وانطبع صاحبها بكل خلق جميل
وانطوت سريرته على الصفاء والنقاء وحب الخير للآخرين فهو
من نفسه في راحة والناس منه في سلامة..
أما صاحب القلب الخبيث والخلق الذميم فالناس منه في بلاء وهو من
نفسه في عناء..
وإن المسلم لا يحمل في قلبِه على إخوانه سوءا ولا ضغينة ولا
تطيب السيرة إلا بصفاء السريرة وأصحاب الأخلاق الحميدة هم
أقرب الناس مجلسًا من رسول الله وأخلاقهم الصادقة وصفاء قلوبهم
توصلهم إلى مراتب عليا من الجنّة لم يكونوا ليبلغوها بِنَوافل
العبادات الأخرى.
سلامة الصدور مِن كمال الإيمانِ وحسنِ الإسلام يحبه الله ويرضاه
يألَف ويؤلف يحب ويحب مع السعادة والانشراح الذي يجده في قلبه
ولا يصلح لسكنى الجنة من تلوث قلبه بالأدران حتى يصفَى القلب
لذا قال الله عز وجل في أهل الجنة
{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ }الأعراف/43
وفي صحيح مسلم أن النبي محمد صلى الله عليه وسلّم قال:
( يدخل الجنةَ أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير)
وقد امتدح الله تعالى الأنصار بأنهم لا يجدون في صدورهم حاجة
مما أوتي غيرهم لا حسدا ولا غيرة ولا غلاًّ..
إن العناية بسلام الصدور وصفاء القلوب من أهم المهمات فكيف
ينجح الداعي إلى الله إن لم يحمل صفاء القلب ونقاء المشاعر..؟
وكيف يلتَذ بمناجاة الله من لم يصف قلبه تجاه إخوانه المسلمين..؟
كيف يرجو التوفيق من امتلأ قلبه ضغينةً على إخوانه المسلمين..؟
إن الأخلاق الزكيةَ ضرورة لصلاح الدنيا والفوز في الآخرة والحق
أنه يستحيل قيامِ حضارة سليمة على قلوب عليلة وأنه ما لم تستَقم
الضمائر وتصف النيات فلن يكبح جماح البشر شيء ولن تصلح
الأحوال ولن تنجح الحضارات ولا الدعوات ولن يمكن بناء إنسان
كبير دون أخلاق متينة وجملة من الخلال تورث الثقة وتبني الفرد
الصالح.
أما القاسية قلوبهم فتجد القسوةَ في سلوكهم والجفاء في أخلاقهم ميل
إلى اتهام الآخرين فلا يقبل العذر وفَرح بافتضاح المخطئين مليء
بالشماتة سوء ظن بغي وحسد أين هم من قول الله عز وجل:
{ خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ} الأعراف/199
والعفو هو اليسير أي: اقبل اليسير الممكن مِن أخلاقِ الناس
وأعمالهم كما قال مجاهد رحمه الله اقبل الأعذار واسلك العفو
والمساهلة واترك الاستقصاء في البحث والتفتيشِ عن حقائق
بواطنهم اصبِر على ذلك واعف عن نقائصهم وأخطائهم في
الصحبة والجوار والأخذ والعطاء لتمضي الحياة سهلة لينة لأن
الإعضاء عن الضعف البشري والسماحة في تعاملات الدنيا من
أخلاقِ الكبار تجاه الصغار والأقوياء تجاه الضعفاء وهكذا كان
النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يغضب لنفسه قط فإذا كان في
دينِ الله لم يقم لغضبِه شيء كما أن المسلم مأمور بالإعراض عن
الجاهلين وعدمِ مجاراتهم في الخصامِ واللجاج لأن ذلك يورث
الضغائن وينمّي الأحقاد ويفسد القلوب فإذا أطاش السفيه عقل الحليم
فليستعِذ بالله من الشيطان الرجيم..
أصحاب القلوب النقية والصدور السليمة لا يبحثون عما تكنه صدور
الناس وتنطوي عليه سرائرهم حب للخير وستر على المخطئ
وسعي لإقالة العثرة وسرو ر بتوبة العاصي قال الفضيل بن عياض
رحمه الله:
ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة نوافل الصلاة والصيام وإنما أدرك
عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصحِ للأمة
يقولِ الله عز وجل:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ }
الحجرات/12
كما أن الإحسان إلى الخلق والصدقة على الفقراء من أسباب زكاء
النفس وقد قال الله عز وجل:
{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } التوبة/103
وقال تعالى :
{ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى } الليل/18
أما إفشاء السلام والبداءة به فذاك شأن عظيم وقد قال النبي محمد
صلى الله عليه وسلم :
(لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمِنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على
شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) رواه مسلم
إن العفو والصفح ومقابلة الإساءة بالإحسان تعود على قلب صاحبها
بالسكينة والطمأنينة وهدأة النفس وراحة البال وقد قال الله عز وجل
في وصف أهل الجنّة:
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ }أل عمران/134
وقال سبحانه:
{ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }فصلت / 34
الاعتياد على البِشر وطَلاقَة الوجه والتبسم في وجه أخيك المسلم مع
أنه صدقة فإنه أيضا يطيب النفوس ويقارب الأرواح ويشيع روح
الإخاء والمحبة وينشر الثقة والأمان..
تجنب المِراءَ والجدل فإنه يذكي العداوة ويورث الشقاق ويدعو لطلب
التشفي والانتصار..
واجعل تقوَى الله دائما في قلبك واذكر يومًا إذا بعثر ما في القبور
وحصل ما في الصدور..
إن التغاضي والتغافل عن أخطاء الآخرين من أخلاقِ الأكابر
والعظماء ودليل على سمو النفسِ وشفافيتها ومن امتلأ قلبه بالإيمان
وصفا من الأضغانِ فإنه سريع العفو والغفران كوقف النبي الكريم
يوسف عليه السلام حين قال لإخوته:
{ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ }يوسف/92
إنه لم يعاتبهم حتى مجرد المعاتبة بل زاد أن دعا لهم ولذا استحق
ميراث النبوة ورفَع الله قدره في الدنيا والآخرة..
قال ابن الأثير رحمه الله متحدثا عن صلاح الدينِ الأيوبي رحمه الله
قال:
وكان رحمه الله حليما حسن الأخلاقِ متواضِعًا صبورًا على ما يكره
كثير التغافل عن ذنوب أصحابه يسمع من أحدهم ما يكره ولا يعلمه
بذلك ولا يتغير عليه..
مصاحبة الأخيار ومجالسة أولى الفضل مما يربي على مكارم
الأخلاق ومجالَسة ذوي المروءات يشرف النفس ويعلي همتها
ويطهرها من الرذائل والإنسان مولَع بمحاكاة من حوله شديد التأثر
بمن يصاحبه..
وإن من مصاحبة الأخيار مصاحبة سيرهم ومطالعة أخبارهم وإدامة
النظر في سيرة سيـد البشر وفي سيرة صحابته الكرام..
لقد كاد النبي أن يهلك من شدة شفقَته على الناس وحرصه على
هدايتهم حتى عاتبه ربه بقوله:
{ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} الشعراء/3
وقال:
{ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ }فاطر/8
يمسح الدّم عن وجهه ويقول:
(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)
إنها أخلاق الأنبياء لا تحمل الحقد ولا الشحناء ولا تعرف الحسد ولا
البغضاء وعلى نهجهم سار الأتقياء الصالحون.
……
اللهم أجعل قلوبنا صافيــه بيضـاء نظيفة لا تحمل غلاً ولا حقد ولا
حسد لأحــد وأملأها بحبك حتى لا نحب أحداً غيرك يارب
العالمين..