هل يمكن أن يموت المرء جّراء (العطس)؟ ربما لا يبدو هذا السؤال لأول وهلة طبياً أو علمياً بقدر ما هو فانتازى، وللأديب الروسى أنطون تشيكوف قصة شهيرة عنوانها (موت موظف) تحكي عن شخص بسيط قيض له بعد طول تمني أن يشاهد إحدى حفلات الأوبرا وأثناء العرض حدث أن عطس الرجل فجأة وببساطة مثلما يفعل كل الناس، لكنه لسوء حظه فعل ذلك في (قفا) جنرال رفيع المنزلة كان يجلس أمامه مباشرة واعتبر الموظف المهذب فعلته البيولوجية المحضة نوعاً من سوء الأدب، فخشي أن يبطش به الجنرال الذي لم يكترث للأمر، وعندما ذهب الموظف إليه في اليوم التالي ليعتذر منه نهره الجنرال بشدة على الملأ فسقط المسكين ميتاً من الخوف!
فلنترك الأدب جانباً لنطالع أحدث دراسة علمية أجراها الأطباء الألمان حول بيولوجيا العطس وكشفت الدراسة عن أسرار طبية جديدة بشأن آليات ومنافع هذا (الدفاع الذاتي) اللاإرادي الذي وهبه الله سبحانه وتعالى للجسم البشري وقد سئل عالم الرياضيات المعروف ألبرت أينشتاين ذات مرة عما يمكن أن يجعله شخصاً سعيداً فأجاب من فوره (عطسة جيدة)!
استغاثة إلى المخ
أكدت الدراسة التي أجريت في كلية طب جامعة ميونيخ الألمانية أن هناك أجزاء معينة في المخ البشرى هى المسؤولة عن العطس باعتباره عملية طرد سريعة وقوية يقوم بها الجسم آلياً لأية مادة غريبة تدخل الأنف، وذكر الباحثون أن تهيج الغشاء المخاطي داخل الأنف يدفع الدماغ إلى إطلاق سلسلة وثيقة الصلة بالجهاز العضلى عبر عصب شديد الحساسية ممتد بين المنخار والمخ.
وعندما يتهيج الأنف من الزائر غير المرغوب فيه يرسل العصب إشارة استغاثة فورية إلى المخ فيصدر هذا أمراً للأنف بأن يفرز السائل المخاطى الصافي لاحتواء الجسم الغريب أولاً ثم يعاجل المخ خصمه في أقل من ثانية بخط الدفاع الثاني إذ يصدر مركز التنفس في الدماغ بدوره أمراً عاجلاً يقضي بضرورة الشهيق بقوة فيرتفع ضغط الدم، وفي الثانية التالية يحدث (الانفجار) ويندفع الهواء خارجياً من الأنف والفم بسرعة تصل إلى 165 كيلو متراً في الساعة.
ويشير الأطباء إلى أن الصوت المميز للعطس يختلف من حالة إلى أخرى حسب درجة تهيج الأنف ويتفاوت الأمر أيضاً من شخص إلى آخر تبعاً لحجم الجسم ومدى قوته فتلك عملية بيولوجية عضلية ترتبط بكمية الهواء المندفع من الرئتين، وعلى وجه العموم فإن الرجال أعلى صوتاً في العطس من النساء ومن الطريف أن الرومان القدماء كانوا يقيسون رقة المرأة بمدى خفوت عطستها!
قراصنة العطس
أما الاكتشاف الأهم الذي توصل إليه أطباء ميونيخ فهو العلاقة العكسية بين تصاعد نسبة هرمون (الأدرينالين) في الدم وبين العطس ومن المعلوم أن الجسم يفرز هذا الهرمون لدى شعور الشخص بالغضب ويطلق عليه الأطباء اسم (هرمون القوة) لذلك فمن النادر أن يعطس المرء وهو في حالة الغضب لأن (الأدرينالين) يقلل درجة تحسس الجسم بشكل عام ويوجه المخ نحو الهدف المحدد موضوع الغضب فينشغل الجهاز العضلى تماماً بتعنى ردود أفعال الانفعالات الأقوى كالعنف أو ما شابه ذلك فتخمد الرغبة في العطس.
ولعل هذه الدراسة العلمية التي قام بها الأطباء الألمان نوع من الرد على الخرافات التي انتشرت في الماضى بشأن العطس كعادة إنسانية غامضة لم يعرف لها الأقدمون تفسيراً، ففي عصر اليونان القدماء كان الأطباء يوصون الشخص الذي تنتابه نوبات عطس متكررة بأن يردد الحروف الأبجدية معكوسة لتتوقف نوبة العطس!
ولكن العلامة العربي داود الإنطاكي صاحب (التذكرة) توصل إلى تفسيرات شبه علمية لآليات العطس وفوائده وأوصى من تنتابه نوبة من (الفواق) بأن يستنشق بعض السعوط وهي مادة مهيجة للأنف كانت معروفة على نطاق واسع في معظم أنحاء العالم حتى مطلع القرن العشرين وكانت تعرف في العالم العربى باسم (النشوق) وكان الرجال يحملونه معهم أينما ذهبوا في علب خاصة تشبه علب التبغ ويستنشقونه في مجالسهم عندما يريدون الاستمتاع بجولة حرة من العطاس.
والطريف أن الأوربيين كانوا يطلقون على اللصوص آنذاك اسم (قراصنة العطس) فقد كان هؤلاء يترصدون المارة منفردين في الشوارع ليلاً، ويلقون بمسحوق السعوط على وجوههم ليتمكنوا من سرقتهم وهم يعطسون!
حتفك في أنفك
ومن الطبيعى ان يعطس الشخص المصاب بنزلة برد (أنفلونزا) فالأغشية المخاطية في أنف المريض تكون متهيجة وملتهبة بحيث تصبح حساسة لأقل ذرة غبار تدخل مع هواء الشهيق ولكن ماذا لو ألمت بالمرء نوبة عطس مفاجئة وهو سليم معافى؟ هذا هو السؤال الذي ما تزال إجابته يحوطها بعض الغموض حتى الآن رغم الأبحاث الطبية المستمرة.
ويرى الباحثون أن للتهيج النفسي دوراً في مثل هذه النوبات الفجائية من العطس كما ان أمراضاً عصبية معينة من قبيل الصرع لها دور في ذلك، والغريب أن الأضواء المبهرة أيضاً ربما تكون دافعاً إلى العطس لدى بعض الناس ناهيك طبعاً عن تأثير الغبار المنزلي وبهارات الطهو الحريفة في انفجارات العطس الفجائية دون دواع مرضية.
ومن المعلوم أنه يستحيل على الشخص أن يعطس وهو مفتوح العينين وهذه إحدى دلائل الإعجاز الإلهي في الجسم البشري، ويتعلق الأمر هنا بنوع من الحماية الجسمانية الآلية فحينما نعطس يرتفع الضغط العصبي في أجسامنا ويتعين على المخ في هذه الحالة أن يصدر أمراً يقضي بإغلاق العينين اوتوماتيكياً حتى لا يؤثر الارتفاع الفجائي في الضغط المرتبط (بالجاهزية العصبية) على ضغط العين نفسها.
ولكن ماذا يحدث لو حاولت أن تكتم عطستك بدافع الخجل مثلاً أو بحكم وجودك في محفل اجتماعي يغص بالناس وهناك كما يقول الكاتب الإنجليزي الساخر برناردشو ظروف يضطر فيها إلى العطس أكثر الناس إجلالاً ووقاراً؟
من جهتهم ينصح الأطباء بعدم كبت العطس مهما كانت الظروف فقد يسفر ذلك عن متاعب من قبيل خدش أنسجة الأنف الدقيقة على اقل تقدير وربما يحدث مالا تحمد عقباه فيتسبب إخماد العطس (بالمنديل) كما يفعل البعض في كسر عظمة الأنف من الداخل ونادراً ما تنتج عن ذلك عوارض أشد خطراً مثل خلخلة عظام الأذن الداخلية أو انتزاعها من مكانها ولهذا ينبغي إطلاق العطسة من عقالها مع مراعاة النظر إلى أسفل والحيلولة بالمنديل دون انطلاق الرذاذ صوب الآخرين.
أخيراً.. هل يمكن أن يلقى المرء حتفه فعلاً بسبب عطسة؟
سؤال البداية هذا يجيب عنه الأطباء مؤكدين ان رذاذ العطس كان أحد أسباب تفشي وباء الطاعون الذي ضرب أوروبا في القرون الوسطى وحصد الملايين من البشر، وعشية تفشي وباء (السارس) في بعض بلدان شرق آسيا العام الماضي كان الناس في هذه البلدان يرتدون الكمامات الواقية في كل مكان، خوفاً من انتشار هذا المرض الغريب عن طريق التنفس، وكانت عطسة واحدة مفاجئة في أحد شوارع بكين كفيلة بإحداث الذعر والفوضى بين المارة وكأن (قنبلة بشرية) انفجرت!