وعلى آله وصحبه أجمعين
فرض الله تعالى العدة على المطلّقات
والمتوفّى عنهنّ أزواجهنّ
بقوله تعالى :
(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ)
البقرة/228
وقوله سبحانه :
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)
البقرة/234 .
والواجب على المسلم السّمع والطّاعة
والتّسليم لنصوص الوحي ، والأحكام الشّرعيّة
وإن لم يعرف الحكمة منها ، قال الله تعالى :
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
النساء/65
وقال سبحانه وتعالى :
(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ
أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
النور/51
وقال تعالى :
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا
أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)
الأحزاب/36 .
وهذا لا يمنع من ذكر العلّة للأحكام
وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله للعدّة عللاً منها :
1- التّعبّد بامتثال أمر الله عزّ وجلّ حيث أمر بها النّساء المؤمنات .
2- معرفة براءة الرّحم حتى لا تختلط الأنساب بعضها ببعض .
3- تهيئة فرصة للزّوجين في الطّلاق
لإعادة الحياة الزّوجيّة عن طريق المراجعة .
4- التّنويه بفخامة أمر النّكاح ؛ حيث لا يتمّ الطلاق إلاّ بانتظار طويل
ولولا ذلك لأصبح النكاح بمنزلة لعب الصّبيان ، يتمّ ثمّ ينفكّ في السّاعة .
5- إظهار الحزن والتّفجّع على الزّوج بعد الوفاة ؛ اعترافاً بالفضل والجميل .
وزادت عدّة المتوفّى عنها زوجها لما يلي :
1- إنّ الفراق لمّا كان في الوفاة أعظم ؛ لأنّه لم يكن باختيار
كانت مدّة الوفاء له أطول.
2- إنّ العدّة في المتوفّى عنها زوجها أنيطت بالأمد
الذي يتحرّك فيه الجنين تحرّكاً بيّناً
محافظة على أنساب الأموات
ففي الطّلاق جعل ما يدلّ على براءة الرّحم دلالة ظنيّة
لأنّ المطلّق يعلم حال مطلّقته من طهر وعدمه
ومن قربانه إيّاها قبل الطّلاق وعدمه ، بخلاف الميت
وزيدت العشرة الأيام على أربعة الأشهر
لتحقّق تحرّك الجنين احتياطاً ؛ لاختلاف حركات الأجنّة قوّة وضعفاً .
3- إنّ ما يحصل من الحزن والكآبة عظيم ، يمتدّ إلى أكثر من مدّة ثلاثة قروء
فبراءة الرّحم إن كانت تعرف في هذه المدّة
فإنّ براءة النّفس من الحزن والكآبة تحتاج إلى مدّة أكثر منها .
4- إنّ تعجّل المرأة المتوفّى عنها زوجها بالزّواج ممّا يسيء أهل الزّوج
ويفضي إلى الخوض في المرأة بالنّسبة إلى ما ينبغي أن تكون عليه
من عدم التهافت على الزّواج ، وما يليق بها من الوفاء للزّوج
والحزن عليه .
5- إنّ المطلقة إذا أتت بولد يمكن للزّوج تكذيبها ونفيه باللّعان
وهذا ممتنع في حق الميت ، فلا يؤمن أن تأتي بولد فيلحق الميتَ نسبُه
فاحتيط بإيجاب العدة على المتوفّى عنها زوجها
ثمّ هذه المدّة قليلة بالنسبة للمدّة التي كانت المتوفّى عنها زوجها
تمكث فيها في الجاهليّة .
قال الشّيخ ابن عثيمين في
"الشرح الممتع على زاد المستقنع"
(13 / 348-349) :
"والحكمة في أنها أربعة أشهر وعشر ـ والله أعلم ـ
أنها حماية لحق الزوج الأول
ولهذا لما عظم حق الرسول عليه الصلاة والسلام
صارت نساؤه حراماً على الأمة كل الحياة
أما غيره فيكتفى بأربعة أشهر وعشرة أيام
ولماذا كانت أربعة أشهر وعشرة ؟
الجواب:
أن الأربعة ثلث الحول ، والعشرة ثلث الشهر ، وقد جاء في الحديث
(الثلث والثلث كثير)
وكانت النساء في الجاهلية يبقين في العدة سنة في أكره بيت
يضعون لها خباء صغيراً في البيت ، وتقعد به بالليل والنهار
ولا تغتسل ولا تتنظف ، وتبقى سنة كاملة
يمر عليها الصيف والشتاء
فإذا خرجت أَتَوْا لها بعصفور أو دجاجة أو غير ذلك لتتمسح به
ثم تخرج من هذا الخباء المنتن الخبيث
وتأخذ بعرة من الأرض وترمي بها ، كأنها تقول بلسان الحال :
كل الذي مَرَّ عليَّ ما يساوي هذه البعرة !
لكن الإسلام ـ الحمد لله ـ جاء بهذه المدة الوجيزة
أربعة أشهر وعشرة أيام ، ثم مع ذلك هل منعها من التنظف ؟
لا
تتنظف كما شاءت ، وتلبس ما شاءت غير أن لا تتبرج بزينة"
انتهى .