جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تسموا بأسماء الأنبياء و أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله و عبد الرحمن و أصدقها حارث و همام " ومعنى أنها أصدق الأسماء : اي أن الإنسان (حارث) كاسب عامل (همام) مريد يهمّ بالأمر ، والهمّ مبدأ إرادته ومنشأ الهمّ من الفكرة . فالأفكار التي تراودنا تؤثّر على مشاعرنا ووجداننا وسلوكنا على نفس صورة الفكرة . فالفكرة السلبيّة تثير فينا المخاوف والقلق والشعور بالتعاسة فيتولّد عن هذا الشعور الخوف والوسوسة والانطواء ! والأفكار الإيجابية تثير فينا روح التفاؤل والأمل والشعور بالهدوء والسكينة فيتولّد عن ذلك عمل إيجابيّ مثمر . ولله درّ افمام ابن القيم في قوله : (دافع الخطرة فان لم تفعل صارت فكرة فدافع الفكرة فان لم تفعل صارت شهوة فحاربها فان لم تفعل صارت عزيمة وهمة فان لم تدافعها صارت فعلا فان لم تتداركه بضده صار عادة فيصعب عليك الانتقال عنها) . والله جل وتعالى في كتابه كثيراً ما يتكرر فيه الأمر بالتفكّر (لعلهكم يتفكرون) (لعلكم تتفكرون) (أفلا يتدبّرون) بل أول آية نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم " إقرأ باسم ربك الذي خلق .. " أمر بما يثير التفكير الصحيح ويصحّح الأفكار . قد أمره بالقراءة . التي هي رمز العلم وربط بين العلم والتفكّر بالتنبيه في الآيات إلى التفكّر (ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق . اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان مالم يعلم) . والمقصود من هذه المقدمة هو أن ندرك أن للأفكار أثر على مشاعرنا ووجداننا مما ينعكس أثره على سلوكنا ، وبقدر استطاعتنا على إدارة أفكارنا إدارة إيجابيّة بقدر ما نستطيع أن نعيش في توافق مع ذواتنا وقبول لمن حولنا . فيما بقي من أسطر سأنبّه إلى وسائل معينة ، تعين كل من يشتكي من الوسواس أو القلق أو سيطرة الأفكار السلبيّة ، وذكر هذه الوسائل والأسباب لا تغني المريض عن أن يراجع عيادة نفسية متخصّصة في حالة ما لو رأى في نفسه عدم القدرة على السيطرة على أفكاره أو سلوكه أو القيام بهذه الوسائل .
لأجل أن تكون أفكارنا إيجابيّة ونتخلّص من الأفكار السلبية ينبغي علينا :
1 – كن واعياً للفكرة . بمعنى أن نتنبّه عندما تأتينا الفكرة السلبية نعرف أنها فكرة سلبية ، وعلامتها : انها تخفض مستوى طاقتك وحيويتك وتجلعك تشعر بالقلق والتعاسة . معرفتك للفكرة يحاصر تفاعلك الوجداني معها وبالتالي يقلل من التفاعل السلوكي معها .. لأن الفكرة أصبحت في حسّك انها فكرة سلبيّة .
2- شتت فكرك . فعندما تداهمك فكرة سلبيّة .. لا تسترسل مع أحداثها بل شتت فكرك بالانشغال بأي عمل ذهني أوحركي كالقيام بممارسة الرياضة مثلاً أو الكتابة أو الطبخ أو ترتيب غرفتك أو القراءة في قصّة أو كتاب . المهم أن تشتت فكرك ولا تسترسل مع الفكرة السلبيّة .
3 – استعذ بالله من الشيطان الرجيم . فكلما راودتك فكرة سلبية أكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ، فإن الشيطان حريص على أن يصيب المؤمن والمؤمنة بالهمّ والغمّ والتحزين . سواءً بما يلقيه في روعه من افكار أو ما يلقيه عليه من الرؤى والمنامات . جاء فيا لحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " فالرؤيا الصالحة بشرى من الله عز وجل والرؤيا تحزين من الشيطان والرؤيا من الشيء يحدث به الإنسان نفسه " .
4 – افزع مباشرة إلى الصلاة . فإن في الصلاة أنساً بالله وقربا منه واطمئناناً إليه ومناجاة له . والإنسان الذي يصلّي وهو يستشعر أنه في صلاته يناجي الله جل وتعالى ويبثّ إليه همومه وشكواه فإن ذلك يساعده على حسن الظن بالله وتقوية الصلة به . ومن لم يستطع الصلاة لعذر أو مانع – كما يقع للمرأة من الأعذار – فعليها أن تفزع للدعاء .
5- لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله . فإن ذكر الله مما يطرد وسوسة الشيطان ، ويكون شغلاً للعبد في التفكّر بمعاني ذكر الله . كن ذاكراً لله سيما الاستغفار . فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ط من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همّ فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية " . والاستغفار النافع هو الذي يستحضر فيه المرء قلبه ويتأمّل في معانيه ويرجو اثره وعاقبته من الله . وأيضاً : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم . فإذا راودتك فكرة سلبيّة فصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم . الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تذكّرك بأعظم إنسان وأطهر البشر وأحب اخلق إليك .. وعند ذكر الحبيب لا يبقى للأفكار السلبية مكان . عن أبي بن كعب قال : قلت : يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي ؟ فقال : " ما شئت " قلت : الربع ؟ قال : " ما شئت فإن زدت فهو خير لك " . قلت : النصف ؟ قال : " ما شئت فإن زدت فهو خير لك " قلت : فالثلثين ؟ قال : " ما شئت فإن زدت فهو خير لك " قلت : اجعل لك صلاتي كلها ؟ قال : " إذا يكفى همك ويكفر لك ذنبك "
6 – مارس شيئا إيجابيّاً . لا تكن فارغاً . الفراغ يفتح باباً للتفكير غير السويّ .. لا تكن فارغاً أبداً . فإن لم يكن وقت نومك .. فاحرص على أن تعمل شيئا إيجابيّاً . وليكن هذاالعمل عملاً جديداً لم تألف على عمله .. فعندما يكون العمل مميّزاً وجديداً فإن ذلك يمنحك شعوراً بالرضا والثبات .. مثلاً .. اختم سورة أو ح**اً أو جزءاً تصدّق .. عد مريضاً .. اصنع معروفاً .. اكتب مقالة .. اصنعي طبقاً لأهل بيتك ..
7- فضفض ولا تكتم . اختر صديقاً ثقة أميناً ناصحاً ، وفضفض له ما بداخلك من الأفكار ، أن تشارك غيرك في أفكارك وهمومك فذلك يخفّف عنككثيراً من أن تسترسل مع الأفكار السلبيّ’ ، سيما لو كان الصديق ثقة ناصحاً فغنه سيعينك على تجاوز هذه الأفكار . ولابد من شكوى إلى ذي مروءة : : يواسيك أو يسليك أو يتوجّع !
8 – ليس لك ولا عليك إلاّ ما عملت . فإن سعادة الإنسان مرهونة بعمله ، وشقاؤه وتعاسته مرهون بعمله . فالتفكير هل سأكون سعيداً أم تعيساً لا يعطيك وجه الحقيقة . الذي يعطيك وجه الحقيقة هو ( العمل الذي أنت عليه ) فإن كنت على طاعة واستقامة وإنجاز لأعمالك بلا كسل فأنت على سعادة مهما راودتك الأفكار . اجعل العمل هو المقياس .. ولا تجعل التخمين هو المقياس !
9 – لا تجلد ذاتك ! عندما تعي أن الفكرة التي تفكّر بها هي فكرة سلبيّة فلا تلم نفسك عليها ، وغنما حفّز نفسك على أنك استطعت أن تضبط الفكرة وتقبض عليها قبل أن تتوغّل في بنيّات افكارك . عندما يتهكّم بك الآخرون أو يسخرون منك لا تبرر ذلك بضعفك ، وتقول لأني ضعيف يتهكّمون بي ! أو لأني أنثى فهم يسخرون منّي .. تناقش معهم واطلب منهم ان يتوقفوا عن ذلك ..
10 – امنح نفسك فرصة للاسترخاء والمرح . عندما تشعر بالقلق أو الاكتئاب .. مارس شيئا مرحاً مع نفسك أو مع غيرك . غيّر مكان جلوسك .. اخرج في نزهة .. اذهب للعمرة أو زيارة الحرم … غيّر ما حولك ، كان تقوم بتغيير ترتيب غرفتك أو مكتبك .. مارس الرسم أو الكتابة .. العب مع الأطفال حولك .. مارس الاسترخاء .. المهم ان تمارس شيئا مرحاً أو يضفي عليك جوّا من المرح والشعور بالاسترخاء .
منقول
فعلا موضوع مشوق