نشوة العدائين.. سمع العديد من الرياضيين عن هذا الشعور، ويبدو ان الغالبية تؤمن به بل يقول الكثير انهم اختبروه فعلا. إلا ان العلماء احتفظوا برأيهم اذ ان الاختبارات لم تثبت ذلك.
فبالفعل اقر بعض الناس انهم احسوا بشعور جميل عندما كانوا يمارسون الرياضة وكأنهم تناولوا العقاقير التي تحسن المزاج. ولكن هل هذا الشعور حقيقي أم مجرد وهم؟ وحتى لو كان حقيقيا، كيف كان هذا الشعور وما سببه؟
يقول بعض الذين اختبروه انه امر غير اعتيادي. فقد يشعرون بالاسترخاء وبالسلام بعد ممارسة الرياضة، لكنهم كانوا يشعرون بالسعادة المفرطة في بعض الاحيان فقط. فهل الهدوء بحد ذاته نشوة العدائين؟
في غالب الأمر، اقرّ من شعر بالسعادة المفرطة انهم شعروا بهذا الاحساس بعد ممارسة الرياضة فترة طويلة. بينما قال آخرون انهم مروا بهذا الشعور عندما اجبروا انفسهم على اتمام امر يتطلب قوة كبيرة مثل قطع مسافة 5 كيلومترات.
تقوم نظرية نشوة العدّائين على ان الرياضة تحدث تأثيرات كيمائية حيوية على الدماغ، وبالتالي يفرز الكيماويات كي تغير مزاج الرياضي. وهذه الكيماويات هي الاندورفينات، المادة الافيونية الموجودة اصلا في الدماغ. كما ان رياضة العدْو ليست الرياضة الوحيدة التي توفر هذا الشعور بل يمكن الوصول اليه من خلال تمارين مكثفة لفترات طويلة.
إلا ان المشكلة في النظرية كانت عدم القدرة على القيام بالدراسة قبل وبعد القيام بالتمرين لترقب تدفق الاندورفينات على الدماغ، لذا بقيت نظرية نشوة العدّائين غير مثبتة على مر ثلاثين عاما.
اما اليوم فتمكنت الاساليب التكنولوجية الحديثة من دراسة القشرة الدماغية، واثبات ان العدْو يثير تدفق الاندورفينات في الدماغ الذي يترافق مع تغير في المزاج، وكلما زاد ضخ جسم العداء للاندورفين زاد تأثيره.
وأقر باحثون رائدون مختصون بالاندورفين بنتائج هذه الدراسة علما بانهم لم يشاركوا فيها.
وتوفر الدراسة الجديدة للرياضيين نوعا من الايضاح يفيد بان نشوة العدّائين ليست مجرد عذر لادعائهم الشعور باحساس رائع بعد القيام بتدريب شاق.
إلا ان نتائج الدراسة توفر للرياضيين وغير الرياضين منهم، على حد سواء، صفحة جديدة في علم التدريب الرياضي. فتظهر انه من الممكن تحديد وقياس نشوة العداء كما انه من الممكن استنتاج ما قد ينتج منها. ويمنحون الامل لاولئك الذين لا يستمتعون بالتمارين الرياضية ولكن يمارسونها على اي حال. وقد يكتسب الرياضيون التقنيات التي تبعث شعورا يجعلهم يدمنون على التدريب.
ويقول الباحث الرائد لهذه الدراسة، الدكتور هينينغ بويكر من جامعة بون، انه استوحى فكرة دراسة نظرية الاندورفن عندما لاحظ ان المناهج الذي كان يتبعها هو وغيره لدراسة الالم، تطبق مباشرة.
فكانت الفكرة تقضي باستخدام مسح الـPET المترافق مع الكيماويات المتوافرة حديثا التي تظهر الاندورفن في الدماغ، لمقارنة دماغ العداء قبل ممارسة رياضة العدْو وبعدها على مسافة طويلة. اظهرت المعلومات ان الاندورفن بالفعل يفرز خلال ممارسة رياضة العدْو ويلتصق في المناطق المختصة بالمشاعر في الدماغ، وبخاصة المناطق الامامية والرئيسية. ويقول بويكر ان هذه المناطق تنشط عندما يمر الانسان بمرحلة عاطفية أو عندما يسمع موسيقى تثير شعورا بالسعادة المطلقة. ويقول العداؤون انه كلما زاد هذا الشعور زاد تدفق الاندورفين في الدماغ.
وسيقوم بويكر، في دراسة ملحقة، بالتحقيق لكشف ما اذا كان العدْو يؤثر في القدرة على تحمل الالم، «فهناك دراسات اظهرت قدرة كبيرة على تحمل الالم عند العدائين».
ويضيف ايضا ان هناك قصصا لعدائين مروا بضغوطات كبيرة وحتى الازمات القلبية واستمروا بالعدْو.
ويجري بويكر دراسة على 20 عداء و20 آخرين من غير الرياضين لبحث قدرتهم على تحمل الالم بعد ممارسة العدْو، وما اذ كانت هناك تغييرات تظهر خلال مسح الدماغ.
وقد يعود سبب شغف البعض بممارسة الرياضة إلى تجاوبهم مع نشوة العدائين والقدرة على تحمل الالم في حين يفتقر البعض الآخر إلى هذا الاحس