السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك وفي أرض المحشر حيث الأهوال وتغير الأحوال, يا ترى هل لأهل الحسنات منازل؟ وهل لهم كرامات بسبب حسناتهم وصالح أقوالهم وأعمالهم ؟ .
الجواب: نعم. لأهل الحسنات مراتب وفضائل سيشاهدونها هناك في أرض المحشر, جعلنا الله وإياكم ممن يحصل عليها .
1- الأمن يوم الفزع الأكبر؛ فهناك في يوم القيامة الخوف والأهوال والفزع الأكبر, ولكننا نجد أن الحسنات تنفع أصحابها هناك حيث تمنحهم الطمأنينة والنجاة والأمن, قال تعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ – لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ – لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ )) [الأنبياء : 101- 103] .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى : وهم الذين سبقت لهم من الله السعادة، وأسلفوا الأعمال الصالحة في الدنيا، كما قال: (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )) [يونس: 26] وقال: (( هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ )) [الرحمن:60].
فكما أحسنوا العمل في الدنيا أحسن الله مآلهم وثوابهم، فنجاهم من العذاب، وحَصَل لهم جزيل الثواب، فقال: (( أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا )) أي: حريقها في الأجساد.
قلت : فسبحان ربي العظيم كيف تكون الحسنات سبباً للأمن في أوقات الشدائد .
2- الثبات على الصراط ونحن نعلم أن مما يكون يوم القيامة " أن يُنصب الصراط " على متن جهنم ثم يمر الناس عليه فيا ترى ماذا تصنع الحسنات بأهلها عند مرورهم على الصراط ؟ .
قال تعالى : (( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) [الحديد : 12].
فيا عجباً لهذه الحسنات كيف تكون نوراً يوم القيامة لأهلها, ومن روائع الأحاديث في هذا الباب : قوله صلى الله عليه وسلم في شأن الصراط : ( تجري بهم أعمالهم ) . [ مسلم:195 ] .
فتأمل كيف تكون الأعمال هي وسيلة لتثبيت أهلها في يوم تتساقط فيه الأقدام , فنسأل الله أن يثبتنا على الصراط .
3- ثقل الميزان يوم القيامة؛ لأن يوم القيامة يضع الله فيه الميزان وهو كفتان ,كفة توضع فيها الحسنات وكفة توضع فيها السيئات , ويؤتى بالحسنات لتوزن, قال تعالى : (( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) [الأعراف : 8].
فهنيئاً لصاحب الحسنات والصالحات حينما تكون حسناته على الميزان لتمنحه الفلاح والنجاة هناك , وأما من فقد حسناته بسبب غفلته وتفريطه فكيف يكون حاله؟ قال عز وجل : ( وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ )) [الأعراف : 9].
4- أخذ الكتاب باليمين, وذلك أن يوم القيامة تنشر صحف الأعمال لكل واحد منا, قال ربنا تبارك وتقدس: (( وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ))[التكوير:10].
وعندما يؤتى بها ينقسم الناس إلى قسمين : قوم يأخذون كتابهم باليمين , قال تعالى: (( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ )) [الحاقة : 19] وهذا إنما أخذ كتابه باليمين؛ لأنه كان من أهل الحسنات والصالحات في الدنيا كما في نهاية الآية (( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ))[الحاقة:24] فتأمل تجد أن الله وهبهم هذا الفوز بسبب اجتهادهم في الأيام السابقة في الحياة الدنيا .
5- دخول الجنة؛ وهي الدار التي أعدها الله لأصحاب الحسنات جزاء لأعمالهم , قال تعالى : (( وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ )) [الزخرف : 72] .
وقال جل وعلا: (( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا )) [مريم : 60].
وقال تعالى: (( وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ )) [البقرة : 25] .
والآيات في هذا الباب متواترة معلومة, وعندما يستشعر المؤمن أن الحسنات ثمرتها دخول الجنان فإنه سيبذل المزيد من الاجتهاد في الأعمال الصالحة لكي يفوز بتلك الجنان, والفوز بها هو الفوز الكبير, قال تعالى : (( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم )) [النساء : 13].
وقال تبارك وتعالى : (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ )) [البروج : 11] .
6- رؤية الرحمن؛ وهذا أعظم نعيم في الجنة لأهل الجنة, ولنتدبر هذا الحديث: قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه ، فيقولون : وما هو ؟ ألم يثقل الله موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، وينجنا من النار؟ فيكشف الحجاب ، فينظرون إليه فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم ) [ صحيح. صحيح الجامع: 521 ].
ووالله إن هذه اللحظة التي يتمتع فيها أهل الجنان برؤية الرحمن لهي أجمل اللحظات التي يتنافس فيها المتنافسون .
فيا صاحب الحسنات.. هذه بعض فوائد الحسنات التي تحصل عليها في أرض المحشر وما بعده , فابذل المزيد وجاهد نفسك لتفوز بتلك الكرامات من الرب الكريم (( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ))[المطففين:26] .
الشيخ الدكتور:
سلطان عبدالله العمري
يسلمووووو عالطرح الرائع غلاتي …