تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » قصة الببغاء الرمادي

قصة الببغاء الرمادي 2024.

قصة الببغاء الرمادي

خليجية

كان أحمد صديقاً للطيور، محباً لها إلى درجة جعلته قادراً على تمييز أصواتها وأنواعها دون رؤيتها أحياناً، وقد اشترى له أبوه مجموعة نادرة منها مكافأة له على تفوقه الدائم، وهكذا غدا لديه بلبل وحسون وكناري وعاشق ومعشوق…
نجح أحمد إلى الصف الأول الإعدادي بتفوق كعادته، وأراد أبوه أن يقدم له هدية، وترك له حرية اختيارها، ومضيا معاً إلى محل بيع الطيور، وشاهدا أقفاصاً كثيرة منها طيور نادرة وسمعا تغريدها الجميل، لكن أحمد مال إلى قفص فيه ببغاوان: أحدهما أخضر سمين، يطلق صيحات مهللة، ويرحب مثل صاحب المحل بكل زبون، ويقلد هذا ويمازح ذاك، ثم يلتفت كي يتأكد من جمال حركاته وتقليده، وصاحب المحل يثني على موهبته، ويهديه مزيداً من بذورعباد الشمس…
والببغاء الثاني رمادي أقرب إلى السواد، بأرجل منقطة ونظرة متحفزة، وصمت لم يكتشف صاحب المحل سببه..
راقب الصبي الببغاء الرمادي الصغير الصامت داخل القفص، وتجاهل شروح البائع، ونظر بعينين حانيتين إلى الببغاء السجين، الذي قابلهما ببعض الاهتمام..
كان الأب يميل إلى شراء الببغاء الأخضر، لكنه لاحظ اهتمام أحمد بالببغاء الرمادي، فسأل البائع عن الحركات التي يجيدها، دون أي تصور لاقتناء طائر نحيف مكتئب مثله..
قال البائع: إنه ببغاء محير، لا ينفذ أي أمر يطلب منه، وهو دائم السخرية من بعض المارة. وقادر على اكتشاف اللصوص بمجرد رؤيتهم عن كثب، وحين يقترب واحد منهم أو أكثر نحوه يصيح: أمسكوا اللص، لص، لصان، ثلاثة …مغارة علي بابا.. وقد حاول بعض اللصوص سرقته، لكنه اكتشفهم وأنقذ المحل، ولم يعد اللصوص يمرون من هنا، وقد خسرنا بسببه عدداً من الزبائن…
وأضاف البائع: إنه يسخر حين يرى مشهداً عجيباً، أو مفارقة محزنة، وقد يشتم أحياناً، ويضعنا في مواقف حرجة..
تجاهل الأب شروح البائع منذ نطق جملته الأولى عن الببغاء الرمادي الساخر، وانصرف اهتمامه إلى تخيل ثمن الببغاء الأخضر السمين، وجمال وقفته عند الشرفة، أو في غرفة الجلوس، لكن أحمد، قال بحزم: يعجبني هذا الببغاء الساخر، ولن أشتري سواه..
اضطر الأب إلى شراء الببغاء وقفصه، وأَلِفَ الببغاء الرمادي أهل أحمد، وبات يخرج من القفص، ويطير إلى الحديقة، ويراقب المارة، وينقل مفارقاتهم المضحكة إلى صديقه، الذي يرويها بدوره لأفراد الأسرة، فيغرقون في الضحك..
كان الطائر الرمادي يصيح أحياناً، "قذر" لمن يرمي القمامة في الطريق، و"غبي" لمن يلعب وسط الشارع، و"متطاول" لمن يقطف ورود الحديقة و"بليد" لمن لا يقدم المساعدة للآخرين، و"مهمل" لمن يتأخر عن المدرسة و"منافق"، لمن يكثر المديح، وكان يردد مفردات كثيرة لا يعرف أحد كيف حفظها مثل: حديث فارغ، مراوغة، خنوع، غش، فساد، جبن….
وكان الصبي يسمع الكلمات ويبتسم، ويشجع الببغاء ويتعلم منه..
حاصرت النظرات الببغاء الرمادي، وأطلقت التحذيرات نحو الصبي وأهله قائلة: أسكتوا هذا الثرثار المخرف، لكن الببغاء ظل يتمتع بتشجيع أحمد وحمايته.
وصباح جمعة شتائي، تأخر الصبي في النوم، وحين استيقظ لم يسمع صوت الببغاء ودُعاباته، ولاحظ حزناً في العيون، ووجه نظرة متسائلة إلى أبيه، الذي قال: لقد رحل الببغاء…
وقبل أن يطلق أحمد احتجاجه الحزين، سارع الأب إلى القول: لا تحزن، فلا مانع عندي من شراء الببغاء الأخضر، فهو يحسن التقليد، ويبهج، ولا يؤذي مشاعر أحد.
قال الصبي: تريدني ببساطة أن أنسى صديقي، الذي ملأ البيت حبوراً، وكشف الحقائق المخبأة خلف الأقنعة، لقد كبرت، وتعلمت كثيراً، من صراحة صديقي الببغاء الرمادي الساخر المتمرد، ولم أعد بعد اليوم بحاجة إلى أي ببغاء!..

خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.