بسم الله الرحمن الرحيم
يعتبر المسجد حجر الزاوية فى حياة المسلمين ، وكا نت إقامة المسجد أول عمل قام به الرسول صلوات الله عليه فى المدينة ؛ فالمسجد فى الإسلام هو للعبادة والإجتماع والتفكر فى أمور الدين والدنيا وهو المنارة التى يهتدى بها المسلمون إلى أُخُوَّتهم وألفتهم ومصالحهم .
وحين يكون المسجد هو صوت الإسلام فإن هذا الصوت ينبغى أن يكون نقيا طاهراً يرتفع بالدعوة إلى الله وحده ، والدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ، فلا يصح أن تكون المنابرلإثارة العداوة والبغضاء بين الناس وحتى للجاد من الأمور التى لاتليق بجلال المسجد وسمو رسالته ، مثل الخلافات التى تثور بين الناس فى قضايا الدنيا ومصالحها مما تتعدد فيه الآراء والأفكار وتتدخل فيه الأغراض والأهواء، فقد ورد فى الحديث النهى عن البيع والشراء فى المساجد ونهى النبى صلى الله عليه وسلم عن السقيا فى المسجد وعن نشدان الضالة فيه وقال النبى صلى الله عليه وسلم لمن ينشد ضالته فيه " لاردَّها الله عليك " فرسالة المساجد رسالة توحيد وهدى ودعوة إلى الصلاح والرشد ، وهى أنبل من أن تكون مجالا للنزاع والإختلاف فى أمور الدنيا أو فى أمور العقائد والمذاهب السياسية والفكرية لأن المسجد أو الجامع يجمع ولايُفرِّق ويهدى ولايضل ويدعو إلى سبيل الله وحده : يقول الحق سبحانه وتعالى : " وأن َّهَذا صِرَاطِى مُسْتقيماً فاتَّبعُوه ولا تتبعُِوا ْالسُّبُلَ فتفرَّق بكم عن سَبيلِهِ ذلِكم وَصّاكُم به لعلكم تعْقِلون " الأنعام 153 .
والمنبر الذى يقف عليه اليوم من يدعو إلى الله عز وجل هو المنبر الذى كان يقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينبغى لمن يقف على منبر المسجد أن يتذكر أنه يقف من الناس حيث كان يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الناس أمروا بالإستماع له والإنصات إليه إتباعا لأمر الرسول ولم يدخل الناس المسجد ليستمعوا إلى نزاع على قضية فى السياسة أو الإجتماع أو الإقتصاد ، ولم يؤمروا بالإنصات فى أدب وصمت ؛ إلا لأنهم يستمعون إلى ما يجمع المسلمون ولايفرقهم وما يهديهم ولا يضلهم وما يجب تصديقه من القول ، لامايحتاج إلى جدال أو تكذيب ومشاحنة من أمور الدنيا أو الدين ، ومما يدل على فطنة المسلمين واستهدائهم بهدى الكتاب والسنة أنهم صانوا المسجد عن أن يكون مكان للخلاف فى الرأى أو مكانا للفرقة بين المسلمين – ما يرويه التاريخ من أن الصحابة – حين قبض الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أهم أمريشغل المسلمين هو أمر خلافة الرسول عليه الصلاة والسلام – توجهوا إلى سقيفة بنى ساعدة لبحث أمر الخلافة هناك وانقسم الرأى بينهم فى أحقية المهاجرين أو الأنصار بها ، وتكلم كل منهم بما يُؤيد رأيه فى النزاع بينهم – كما روى إبن قتيبة فى الإمامة والسياسة – ينذر بالفرقة والإنقسام حتى ذهب أبو بكروعمر رضى الله عنهما وخطب أبو بكر وانتهى الأمر بالإتفاق على بيعة أبى بكر وعند ئذ – وهذا وجه الإستدلال – ذهبوا إلى المسجد وبُويع أبو بكر فيه ، فكان التفرُّق والإنقسام فى الرَّأى خارج المسجد أمَّا فى الجامع فقد اجتمعت كلمة المسلمين ، وتنزه المسجد عن أن يكون مكاناً للفرقة والشَّحناء والجدال حتى أهم الأمورالتى تشغل المسلمين ، ولقد كان منصب الإمام والخطيب فى الصَّدر الأول للإسلام من أجَلْ المناصب وأعظم الوظائف ، ويدل ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كان هو إمام المسلمين وخطيبهم فإذا غاب صلوات الله عليه وسلامه فى سفر أو غزو ، كان يقف على المنبر من يندبه من كبار الصحابة وذوى العلم والرأى والقدوة بين الناس ، ولم يُصَلِّ أحد بالمسلمين فى حضرة النبى صلى الله عليه وسلم إلاماكان من أمره صلوات الله عليه لأبى بكر للصلاة بالناس أو صلاته بهم والنبى فى مرضه قبل إنتقاله ، ومع ذلك فقد تهيَّبَ أبو بكر هذا الموقف العظيم مع أمر النبى له حتى قال : " ما كان لابن أبى قحافة أن يتقدَّم بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم " وذلك يدل على جلال الموقف وقدر الإمام بين الناس حتى يوجب عليه أن يكون فى أعلى المنازل دينا وعلما وخُلُقا وقدوة بين الناس مما كان للنبى صلى الله عليه وسلم وحده ونحن نقتدى به .
من قراءاتى
#baabab