سفينة الصحراء
يقول الحق عز وجل فى سورة الغاشية : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ، وإلى السماء كيف رفعت ، وإلى الجبال كيف نصبت ، وإلى الأرض كيف سُطِحَت ، فذكر إنما أنت مذكر ، لست عليهم بمسيطر ) فهذه كلها معجزات كونية يدعونا الله سبحانه وتعالى إلى أن نتأمل عجائبها وهى ساكنة أمام أبصارنا ، ويذكر الله هنا الجمل وهو عجيبة أى عجيبة فقد ارتبط الجمل بالعربى حتى أن أحدا لايشك فى أن جزيرة العرب هى موطن الجمال ، وما أبعد هذا عن الحقيقة فإن مهد الجمل كان فى جبال الإنديز فى أمريكا الجنوبيةفى نواحىجمهورية بيرو .
والجمل بطبيعته حيوان نفور أى يميل إلى الإنفراد بنفسه ، وكان شديد الخوف لا سلاح له ، فارتفع فى أعالى جبال الإنديز ثم اتجه إلى الشمال فى رحلة طويلة قضى فيها قرونا عديدة ولكن الباحثين عثروا على حفائره على طول طريقه ، فقد إنتهى من أمريكا الجنوبية ودخل أمريكا الوسطى وقطعها حتى وصل إلى صحراء نيفادا الأمريكية منذ قرون عديدة ، وهناك فى الصحراء يتبحبح الجمل – يعيش بدون خوف واطمئنان – فقد وجد البيئة الآمنة التى كان يطلبها ، صحراء واسعة لايعمرها من كواسر الحيوانت أو من الناس أحد ، و خلال هذه القرون ظهر فيها خُفه الغليظ الذى يمكنه من التوغل داخل رمال الصحراء ، وهناك أيضا تطورت معدته ونشأله شيئا فشيئا جهاز إختزان الماء ، وفى عمق الصحراء إستكمل تكوينه وكبر حجمه ونشأ منه صنف ذو سنامين ونما حجمه وهناك إستأنسه الناس واستخدموه وهاجرت جماعة من الجمال ذات السنام الواحد إلى شمال الهند ثم إلى جنوب العراق ، ووصلت أبواب جزيرة العرب ، وهناك إستأنس الناس الجمل ودخلوا به الصحراء أيام العرب العادية ، وبالجمل إستطاع الإنسان أن يسكن الصحراء ويعيش فيها لأن الجمل إذا وجد الماء شرب دفعة واحدة ما يقرب من مائة وخمسين لترا من الماء ( خمس وسبعون زجاجة كولا سعة لتران ) وهو لهذا يستطيع الصبر بدون ماء فوق السبعة عشر يوما وهو حيوان قوى صبور يستطيع أن يعيش أياما طويلة وينام وهو سائر على حداء الحادى ، وكل ما فيه مفيد ، وبره صوف ناعم ، ولحمه طرى ولبنه وفير ، وهو أنيس حسن العشرة ، ثم إن حضارة البدو كلها تقوم عليه ، فهو يأكل أقسى الحشائش ويعطى لبنا وافرا ، يعتمد عليه البدو فى حياتهم ، أرأيت لماذا يقول الله سبحانه وتعالى : ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) .
المهم هنا العقل والتفكير ، منهما يخرج الإنسان بالمعلومات التى يديرها فى ذهنه ، ومن ذلك تأتى الإكتشافات والمخترعات ، لأن الإسلام دين العلم ، وأنت مهما تقرأ فى القرآن الكريم فأنت فى عالم علم وابتكار ، واختراع . أنظر إلى قول الحق عزوجل : ( إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون ) فهذا تنبيه بأن نستخدم عقولنا ونتفكر فى آيات الله ….
وإن بعض أذكياء معاصرينا ينظرون فى القرآن ثم يقولون : يذكر الله نظرية التطور ، هنا إشارة واضحة إلى كروية الأرض ، وهذا كله طيب ومشكور ولكنه يكون مشكورا أكثر لوكنا نحن على هدى القرآن أصحاب هذه الكشوف لا مجرد متحدثين عنها !!!