السؤال :
ما حكم من حلف على ألا يفعل امرا ما خلال مدة معينة ثم فعل هذا الأمر ناسيا قبل مرور المدة؟؟
الجواب :
اخْتُلِف في كفارة اليمين لمن حنث ناسيا .
قال الإمام البخاري : بَاب إِذَا حَنِثَ نَاسِيًا فِي الأَيْمَان ، وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ) ، وَقَالَ : ( لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ )
قال ابن حجر : قوله : " بَاب إِذَا حَنِثَ نَاسِيًا فِي الأَيْمَان " ، أيْ : هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَوْ لا ؟
قَوْلُهُ : وَقَوْل اللَّه تَعَالَى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ ) ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الآيَة مَنْ قَالَ بِعَدَمِ حِنْثِ مَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَفَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا ، وَوُجِّهَ بِأَنَّهُ لا يُنْسَب فِعْلُهُ إِلَيْهِ شَرْعًا لِرَفْعِ حُكْمِهِ عَنْهُ بِهَذِهِ الآيَة ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ . اهـ .
قال الخرقي : وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا ، فَلا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الْيَمِينُ بِغَيْرِ الطَّلاقِ وَالْعَتَاقِ
قال ابن قدامة : جُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لا يَفْعَلَ شَيْئًا ، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا ؛ فَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ .
نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ الْجَمَاعَةُ ، إلاَّ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ . هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ .
وَاخْتَارَهُ الْخَلالُ وَصَاحِبُهُ . وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ .
وَعَنْ أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، أَنَّهُ لا يَحْنَثُ فِي الطَّلاقِ وَالْعَتَاقِ أَيْضًا ، وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ ، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، وَإِسْحَاقَ ، قَالُوا : لا حِنْثَ عَلَى النَّاسِي فِي طَلَاقٍ وَلا غَيْرِهِ .
وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ) .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ ، وَالنِّسْيَانِ ، وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ . وَلأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ لِلْمُخَالَفَةِ ، فَلَمْ يَحْنَثْ ، كَالنَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ .
وقال أيضا مُرجِّحًا : الْكَفَّارَةَ لا تَجِبُ فِي الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ ، مَا تَقَدَّمَ ، وَلأَنَّهَا تَجِبُ لِرَفْعِ الإِثْمِ ، وَلا إثْمَ عَلَى النَّاسِي .
فالذي يظهر أن الناسي لا شيء عليه ؛ لأنه لم يتعمّد فعل ما حَلَف ، والإثم يقع إذا فعله عامدا من غير نِيّة تكفير عن يمينه .
والله تعالى أعلم .