لاشك أن كل واحد منا يعبد الله خوفـًا ورجاءً ، خوفا من عذابه ورجاءً فى رحمته ، وهروبا من ناره وطلبا لجنته ، قال تعالى : ( إنهم كانوا يُسارعون فى الخيْرات ويدعوننا رَغـَبًا ورَهَبـًا وكانوا لنا خاشعين ) الأنبياء 90 .
وكل منا يتمنى أن ينال أعظم وأرفع منازل الجنة ، مع النبى صلى الله عليه وسلم ؛ وبالقرآن ينال القارئ هذه الدرجة .
ولأن النبى صلى الله عليه وسلم أحرص الخلق على هذه الأمة وأحبهم وأصدقهم فى محبتهم ، حرَّضهم وحضـَّهم على مافيه الخير لهم دوما فقال : " إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس " البخارى 2790 .
وعن عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الماهر بالقرآن مع السفرة الكِرام البَرَرَة ، والذى يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهُوَ عليه شاق : له أجران " البخارى 4937 ومسلم 798 .
والمراد بالمهارة فى القرآن : جودة الحفظ وجودة التلاوة ، من غير تردد فيه ؛ لكونه يسَّرَه الله نعالى عليه كما يسره على الملائكة فكان مثلها فى الحفظ والدرجة " يعنى مثل الملائكة فى قدر منزلتهم فى الجنة ؛ لأنه مثلهم فى الحفظ والتلاوة .
وقال النووى : قال القاضى : يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة : أن له فى الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السَّفرَة ؛ لاتصافه بصفاتهم من حمل كتاب الله تعالى ، قال : ويحتمل أنه يُراد أنه عامل بعملهم وسلك مسُلكهم ، وأما الذى يتتعتع فيه : فهو الذى يتردد فى تلاوته لضعف حفظه ، فله أجران : أجر القراءة ، وآخر بتتعتعه فى تلاوته ومشقته " .وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " يُقال لصاحب القرآن : إقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا ؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها " صحيح الجامع 8122 والسلسلة الصحيحة 2240 . قال الخطابى : جاء فى الأثر أن عدد آى القرآن على قدر درجات الجنة ، يُقال للقارئ : اقرأ وارتق الدرج على قدر ما تقرأ آى القرآن . فمن استوفى قراءة جميع القرآن تحصَّل على أقصى درجات الجنة ومن قرأ
جزءًا منها كان رُقِيِّه من الدرج على قدر ذلك ، فيكون منتهى الثواب عند مُنتهى القراءة .
وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " يجئ القرآن يوم القيامة فيقول : يارب حَلـِّهِ . فيُلبس تاج الكرامة ، ثم يقول : يارب زده ؛ فيُلبس حُلة الكرامة ، ثم يقول : يارب ارض عنه فيرضى عنه ، فيُقال له : اقرأ وارتق وتـُزاد بكل آية حسنة " صحيح سنن الترمذى للألبانى 2328 . نسأل الله تعالى أن يُعَظم القرآن فى قلوبنا ، ويجعلنا من المهرة بالقرآن الذين ينزلون منزلة السفرة الكرام البررة .
فيا رَحِمَك الله ، أنظر لهذه المزلة العالية من منازل الجنة ، واستحضر هذا المقصد العظيم حين قراءتك للقرآن ، ولتعلم أن المرء يُؤ ُتى الخير بقدر نيته ، فاحرص على هذا الخير ولاتدعه يفوتك .