من الإيمان بالله الإيمان بأنه الإله المستحق للعبادة دون كل ما سواه لكونه خالق العباد والمحسن إليهم والقائم بأرزاقهم، والعالم بسرهم وعلانيتهم، والقادر على إثابة مطيعهم وعقاب عاصيهم، ولهذه العبادة خلق الله الثقلين : الإنس والجن وأمرهم بها كما قال تعالى : "وذكر فإن الذكر تنفع المؤمنين وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين". وحقيقة هذه العبادة هي إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبد العباد به من دعاء وخوف ورجاء وصلاة وصوم وذبح ونذر وغير ذلك من أنواع العبادة على وجه الخضوع له والرغبة والرهبة مع كمال الحب له سبحانه والذل لعظمته. وفي الصحيحين عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا" إن العبادة ليست مقصورة على الصلاة والصوم وغيرها، بل تتعداه إلى كل شؤون حياة العبد حتى في أكله وشربه، فهو يعبد الله إن حمده على نعمه وآلائه عليه. وحتى لا يضيع عبادته، عليه أن لا يضيع وقته خاصة الفارغ منه، فالوقت هو الوعاء الذي يمكن للإنسان أن يملأه بما يرضي الله سبحانه وتعالى. والوقت هو عمر الإنسان، فإن أضاع المرء وقته في ما لا يفيد، يكون قد أضاع عمره.
إن موضوع الفراغ في حياة المرأة المسلمة حديث ذو أهمية قصوى لأن المرأة هي أكثر من تعاني من قلة ما تشغل به نفسها في أوقات فراغها، وهذا قد يؤدي بها إلى شغل نفسها بالباطل؛ قال الإمام الشافعي : " إن لم تشغل نفسك بالحق، شغلتك بالباطل"
2- أسباب الفراغ في حياة المرأة المسلمة :
* إسناد المرأة مهامها المنزلية لغيرها : فكثير من النساء تخلين عن مسؤولياتهن في البيت بشكل يكاد يكون مطلقا، إذ أن أعمال الطهي والكنس وغيرها صارت تقوم بها الخادمة أو المساعدة، والمرأة لا تضع يدها في أي شيء، الأمر الذي يخلق لديها متسعا كبيرا من الوقت الفارغ لا تستطيع ملأه مهما حاولت؛ حتى الأولاد تسند مهمة تربيتهم ومراقبتهم إلى الروضة فتنقطع حينئذ أواصر الألفة ووشائج المحبة والحنان بين الأم وأبنائها.
إن هذا الابتعاد عن تأدية الوظائف والمهام المنزلية، تجعل المرأة المسلمة جسدا بلا روح يمكن حشوه بالباطل بيسر وسهولة.
* جهل المرأة بما عليها من واجبات : إن المرأة التي لا تلقي بالا إلى حقوق زوجها عليها من حسن تبعل له وطلبها لرضاه واتباعها لموافقته ومن تمريض له وإطعامه والرفق عليه تكون امرأة جاهلة بأعظم فوائد الزواج. وإهمالها لهذه الواجبات يؤدي بها حتما إلى الانغماس في وقت فراغ طويل وعريض لا شاطئ له، لا تستطيع أن تنظمه ولو حاولت. إن قيام المرأة المسلمة بما تحتمه عليها واجباتها الأسرية إزاء زوجها وأبنائها يملأ عليها جل أوقاتها في الليل والنهار. وليس على المرأة أن تشتكي من قلة الوقت الذي يمكن لها أن تخصصه للعبادة، لأن الثابت في الشريعة الإسلامية كما جاءت بذلك الأحاديث النبوية الصحاح هو : أن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها لرضاه يعدل في الأجر والثواب الجهاد في سبيل الله، وحضور الجمعات والحج والعمرات، وكل الأعمال التي يقوم بها الرجل.
* الفوضى في تنظيم الوقت : غالبا ما تقضي المرأة أجمل ساعاتها وأحلاها في النوم لعد ساعات طوال. ونحن لا نهيب بهذه المرأة أن لا تنام، بل عليها أن تنظم وقتها اليومي بشكل يستجيب وأدائها لمهامها وأعبائها المنزلية والزوجية، والقيام بالشعائر التعبدية أيضا، وهذا الهدف النبيل يستدعي من المرأة المسلمة أن تحرص على تحديد مدة النوم في سبع ساعات كمعدل يومي، وأن توزع ما تبقى من نهارها وليلها على الاضطلاع بدور الزوجة الصالحة والأم الطيبة الحنون. حينها فقط، لن تشعر بالفراغ ينخر وقتها ويومها بل ستلامس شغاف قلبها أحاسيس الغبطة والسعادة.
* الرفقة السيئة : إذا ما ابتليت المرأة المسلمة بصديقات سيئات الطبع والعادة، فعليها أن تبتعد عنهن فورا، لأن الرفيقة السيئة لابد أن تؤثر على المرأة المسلمة سلبا مهما بلغ نضج هذه الأخيرة؛ فالرفيق السوء كنافخ الكير لا بد أن يصيب الجالس بجانبه ببعض الأذى والنار. وهكذا إن جارة لا تعير للوقت اهتماما ولا تكترث بواجباتها الزوجية، وكل همها الثرثرة واغتياب الآخرين لن تنفع المرأة المسلمة بقدر ما ستضرها في دينها ودنياها. فبالنسبة لدينها، قد تهمل هذه المرأة الكثير من الشعائر الدينية وقد تصير من الذين يسهون عن الصلاة ويؤخرونها أو يجمعون بين الصلوات، والعياذ بالله وذلك بسبب قضاء وقتها في الحديث مع هذه الجارة عن المشاكل الزوجية وعن قضايا تدبير المنزل وقد تعرج بها للحديث عن الجيران والشكوى منهم واغتياب فلانة أو علانة. أما بالنسبة لدنياها، فالضرر واضح حين يأتي الزوج في الزوال أو في المساء، فلا يجد المنزل مرتبا بل يسبح في فوضى عارمة، أما الزوجة فتفتقد ذلك الحس العاطفي نظرا لأنها سكبت كل شحنتها الانفعالية والتعبيرية في النهار في أحاديثها الفارغة مع جارة السوء.
– كيف يمكن المحافظة على الوقت ؟
* بإمكان المرأة المسلمة أن تحفظ وقتها من الضياع بأن تعرف الأزمنة الفاضلة مثل عظمة يوم الجمعة، وأن لا تعتبره يوم عطلة فقط، بل تستشعر مدى أهمية هذا اليوم في حياة كل مؤمن ومؤمنة، ومن ثم تخص هذا اليوم ببرنامج زمني استثنائي فتنهض في الصباح الباكر للغسل، ثم تقوم بالطهي وإعداد المنزل. وبعد ذلك تجلس في مخدعها لقراءة سورة الكهف وللصلاة … وينبغي على المرأة المسلمة أيضا أن تدرك أهمية صيام يوم الاثنين والخميس والأيام البيض، وغيرها من الأزمنة الخيرة؛ كما عليها أن لا تفوتها قراءة القرآن الكريم نظرا وحفظا يوميا وذلك بمعدل جزء في اليوم أي 4 صفحات قبل أو بعد كل صلاة، وقراءة السنة النبوية الطاهرة، وحفظ الأحاديث وتعليمها للأبناء أو الصديقات والأخوات بغية تثبيت ما حفظته وترسيخه في ذهنها. كما عليها أن تكتفي بهذه الخطوات التعليمية، بل يمكنها الاطلاع على بعض كتب الفقه، وينصح أهل العلم بكتاب " فقه السنة " للسيد سابق بالرغم من بعض هفواته، وتبدأ بأحكام الطاهرة وباقي الأحكام الشرعية، ثم تخصص ساعة أو ساعتين لمطالعة درس في السيرة أو العقيدة مثل كتاب " الرحيق المختوم " وكتاب " التوحيد " لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. وهذا كله يلازمه ذكر الله عز وجل في معظم أوقات النهار والليل، لذا عليها تعلم الأذكار الشرعية التي وردت عن خير الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بأس من قراءة كتاب "الوابل الصيب من الكلام الطيب" للإمام ابن القيم رحمه الله.
* الجليسة الصالحة : يمكن للمرأة المسلمة أن تحفظ وقتها من الضياع والعبث باختيار جليسة صالحة تذكرها بالخير إن نسيت، وتصلح لها أمرها إن أخطأت، وتساعدها على البر والإحسان حتى تكون هذه الجليسة مثل حامل المسك، فإن جلس بجواره أحد إما أصاب رائحة زكية أو اقتنى منه بعض المسك الطيب. والجليسة الصالحة تعين على جعل كل أمور الحياة أجرا وثواب؛ فنظرها صالح، وسمعها صالح، وكلامها صالح، وهذا تستفيد منه المرأة المسلمة أيما استفادة.
* على المرأة المسلمة أن تخصص وقتها أيضا للدعوة إلى الله عز وجل حسب طاقتها وجهدها وعلمها. فأينما حلت وارتحلت، يجب أن تذكر الآخرين بالله وتستشعر حضوره ومراقبته، وتستحضر خشيته والخوف منه، وتدعو إليه بالتي هي أحسن، فلعل كلمة صادقة تخرج من صميم قلبها تصل إلى قلب فتاة أو امرأة عاصية فيهديها الله سبحانه وتعالى عن طريقها، فيحصل لها الخير العميم.