الرفق بالنفس
من فضل الله وأنعمه على البشر أن أحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث ، وأباح لهم ما وراء ذلك من كل ما ينفغ ولا يضر ، وليس من حق الإنسان أن يشق على نفسه ويضيق عليها يمنعها من المباح من غير داع معتبر ولا مبرر معقول وغلاًّ ًّ جرَّه هذا شيئا فشيئا إلى اللوم والعتب والمؤاخذة قال تعالى : " ياأيها النبى لم تحرِّمُ ما أحَلَّ اللهُ لك تبتغى مرضاة أزواجك واللهُ غفور رحيم " ، وإنما قيل له : " لم تحرم ما أحل الله لك " رفقا به وشفقة عليه وتنويها بقدره ومنصبه صلى الله عليه وسلم أن يُراعى مرضاة زوجاته بما يشق عليه ما ألف من لطف الله تعالى بنبيه ورفعه عن أن يُحْرَج بسبب أحد من البشر الذين هم أتباعه ليظهر كمال نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولقد جاء الإسلام وهو يتوخى فى كل عباداته وتشريعاته حق النفس رفقا بها ورحمة لها ، وربما عَنَّ للبعض أن يأخذ التشريع الإسلامى على وضع بعينه يُوحِى بالتزمت والتشدد والجُنوح إلى المشقة ؛ فيقف منه مولانا رسول الله ـ صلى الله عيه وسلم ـ موقفا عمليا وتربويا حاسما ينتهى به إلى إلتزام الفطرة والقصد والجادة ، عن أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ : قال : قال : رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " إياكم والوصال ؛ قالوا إنك تواصل يارسول الله . قال : إنكم لستم مثلى إنى أبيت يُطعمنى ربى ويسقين فاكلفوا ( تحملوا ) من الأعمال ما تطيقون . رواه البخارى .
فالإسلام دين القصد واليسر ورفع الحرج ليست فيه مشقة ولا تضييق ولا يجب للمسلم مطلقا أن يتزمَّت ويشق على نفسه مهما كان هدفه وغايته .
يقول الحق عزوجا : " ياأيها الذين آمنوا لاتحرِّموا ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين ، وكلوا مما رزقناكم حلالا طيبا واتقوا الله الذى أنتم به مؤمنون " ومعنى ذلك أو بعض ما يُفهم من معناه أنه لايجوز لمؤمن ولا مؤمنة أن يمنع مفسه أو يمنع غيره أو يُحَرِّم على نفسه أو على غيره شيئا طيبا أحل الله الإنتفاع به والإستمتاع بما فيه فإن كلمة الطيبات من السعة والشمول بحيث تتناول كل ما تستطيعه النفس وتميل إليه وترتاح له مما لم يرد بتحريمه نص صريح .
فليس لمؤمن أن يحرم شيئا أباحه الله له وأحله لأن فى ذلك إعتداء لايحبه الله فيجب ألا يقع فيه كما فعل غيره من الآثمين الظالمين الذين عاقبهم الله على ظلمهم وإثمهم بتحريم بعض الطيبات عليهم وقال فى ذلك : " فبظلم من الذين هادوا حَرَّمْنا عليهم طيِّبات أحِلت لهم "
فمن أصول الإسلام القصد والإعتدال وإقامة ما لايشق على النفوس من التكاليف فلقد طالما نص القلرآن الكريم على أن الله لايكلف نفسا إلا وسعها فكل ما ليس فى وسع الإنسان أن يقوم به فلا تكليف فيه والمراد بالوسع أن يكون العمل بحيث لايجهد فاعله ولا يُوقعه فى العناء والتعب .
ولقد نهانا الله تعالى عن الغلو فى الدين فقد روى البخارى : " لن يُشاد فى الدين أحد إلا غلبه " واعلم أن المُتغالين فى دينهم أقرب إلى العجزعن القبام به واحتمال تكاليفه ولقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل " وقال تعالى : " ما جعل عليكم فى الدين من حرج " وقوله سبحانه وتعالى " يريد اللهُ بكم اليسر ولا يريد بكم العسر "
ويقول الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ " إن الله لم يَبْعثنى مُعْنِتا ولا مُتعَنتا ولكن بعثنى مُعَلما و مُيَسِّرا " رواه مسلم .