في حديقةٍ غَنّاءَ كان النهرُ يَجري ، النهرُ يَهَب الماءَ للأشجارِ والأزهارِ ، ويُصغي إلى حَفيفِ أوراقها وإلى أحاديثِها .
وذاتَ صباحٍ سَمِعَ النهرُ حوارَ الوردةِ الحمراء مع الوردةِ البيضاء ،
قالت الحمراء : أنا أجمَلُ الأزهار ، انظُري كيف أهتم بجمالِ مَظهري .
فقالت البيضاء : يا صديقتي ، هناك أشياء أخرى ينبغي أن نهتم بها أيضاً .
سألت الحمراء : مثلاً ماذا ؟! فقالت البيضاء : علينا أن نهتم بجذورنا أيضاً .
فقالت الحمراءُ بدَهشة : الجذور ، قالت البيضاء : نعم ، انظُري جيّداً إلى مياهِ النهرِ كيفَ تَجرِفُ مَعها كلَّ يومٍ جُزءاً من التربة .
سألت الحمراء : وماذا يعني هذا ؟!
أجابت البيضاء : معناه أننا سنَنجَرفُ أيضاً وننتهي ، علينا أن نَمُدَ جُذورَنا عميقاً في الأرضِ حتّى يشَتدَّ عُودُنا .
صاحَت الحمراءُ بعصبية : أنتِ حَمقاء يا عزيزتي ، تَترُكينَ أوراقكِ الزاهية ، وتُنفِقينَ وقتَكِ في مَدِّ العُروقِ داخلَ الترابِ والطين ؟!
لم تُصْغِ الحمراءُ إلى كلامِ جارتِها ، وتَمُرُّ الأيّام ومياهُ النهر تجَرِفُ التربةَ كلّ يوم .
وذاتَ يومٍ ، شعَرتِ الحمراء بأنّها تهتز ، وكانت أمواج النهر تهز جذورها الضعيفة ، فصاحت : النجدة ، النجدة ، أنقِذوني .
هَمَسَت البيضاءُ بحزن : يا لَها مِن نهايةٍ تَعيسة ، ليتها سَمِعَت نَصيحتي