اعتزل ذكر الأغاني
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً
وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وقمراً منيراً
وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة
لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً
وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه
وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة
وجاهد في الله حتى أتاه اليقين
فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد
هي رسالة مزجتها بالحب، وصبغتها بالمودة، وأرسلتها بالمحبة، ودفعني لقول هذه الرسالة ثلاثة أسباب:
السبب الأول: واجب الله على أهل العلم أن يبينوا الحق
وأن يوضحوا للناس ما اختلفوا فيه
وأن يقيموا على كل مسألة دليلاً
قال سبحانه وتعالى
(وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ
وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا
فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)آل عمران 187
وقال سبحانه
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى
مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ
أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ *
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ
وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
( البقرة 159 -160)
لذلك كان لزاماً علي وعلى كل داعية
وعلى كل طالب علم أن يبين الحق لأهل الحق
ولمن يقبل الحق، ولمن لم يعرف الحق
ولا تأخذه في الله لومة لائم.
السبب الثاني
رحمة وشفقة بمن وقع في براثن الغناء
ومن ضيع عمره في هذا اللهو
ومن قضى ساعاته ولياليه وأيامه في هذا الضياع.
فنحن لا نريد أن تصيبه حرارة الشمس ولا الشوكة
لأنه مسلم في الجملة، ولأنه قريب وأخ وحبيب وصديق
فرحمة به أردنا أن ننصحه
وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم
أنه قال: (الدين النصيحة.
قلنا -أي الصحابة -: لمن يا رسول الله؟
قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) (1)
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم
أنه قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه
ما يحب لنفسه) (2)
فأحببنا لهم ما أحببنا لأنفسنا
لأنا ذقنا حلاوة القرآن، وحلاوة الذكر والطاعة
والعبادة، ومجالس الخير، والدرس
والكتب الإسلامية، واتباع السنة
فنريد لهم كما نريد لأنفسنا، أن يذوقوا كما ذقنا
وأن يعيشوا كما عشنا، وأن يحيوا كما حيينا
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ
كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
( الأنعام 122)
الثالث: توضيحاً لما وقع فيه بعض الناس
من الذين تزعموا الفتيا، فأفتوا بغير علم
فأباحوا الغناء.
فنقول لهم: من أين لكم إباحته
والله يقول: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى الله الْكَذِبَ
إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ)
( النحل 116)
من أين لكم إباحته؟
وما هو دليلكم؟
وما هو برهانكم؟
(1)الراوي: تميم الداري المحدث: مسلم
المصدر: صحيح مسلم – الصفحة أو الرقم: 55
خلاصة حكم المحدث: صحيح
***
(2)الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري
المصدر: صحيح البخاري – الصفحة أو الرقم: 13
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
س1 : ما حكم الاستماع إلى الأغاني؟
جـ- الاستماع إلى الأغاني لا شك في حرمته وما ذاك إلا لأنه يجر إلى معاص كثيرة وإلى فتن متعددة ، ويجر إلى العشق والوقوع في الزنا والفواحش واللواط ويجر إلى معاص أخرى كشرب المسكرات ولعب القمار وصحبة الأشرار ، وربما أوقع في الشرك والكفر بالله على حسب أحوال الغناء واختلاف أنواعه ، والله جل وعلا يقول في كتابه العظيم سورة لقمان الآية 6 وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ سورة لقمان الآية 7
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
فأخبر سبحانه أن بعض الناس يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله قرئ ليضل بضم الياء وقرئ ليضل بفتح الياء مع كسر الضاد فيهما ، واللام للتعليل والمعنى أنه بتعاطيه واستعاضته لهو الحديث وهو الغناء يجره ذلك إلى أن يضل في نفسه ويضل غيره، يضل بسبب ما يقع في قلبه من القسوة والمرض فيضل عن الحق لتساهله بمعاصي ، الله ومباشرته لها ، وتركه بعض ما أوجب الله عليه مثل ترك الصلاة في الجماعة وترك بر الوالدين ومثل لعب القمار والميل إلى الزنا والفواحش واللواط إلى غير ذلك مما قد يقع
(الجزء رقم : 3، الصفحة رقم: 435)
بسبب الأغاني .
قال أكثر المفسرين : ( معنى لهو الحديث في الآية الغناء ) وقال جماعة آخرون : ( كل صوت منكر من أصوات الملاهي فهو داخل في ذلك كالمزمار والربابة والعود والكمان وأشباه ذلك وهذا كله يصد عن سبيل الله ويسبب الضلال والإضلال ) .
وثبت عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل أحد علماء الصحابة رضي الله عنهم أنه قال في تفسير الآية ( إنه والله الغناء وقال إنه ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل ) والآية تدل على هذا المعنى فإن الله قال : سورة لقمان الآية 6 لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعني : يعمي عليه الطريق كالسكران ؛ لأن الغناء يسكر القلوب ويوقع في الهوى والباطل فيعمى عن الصواب إذا اعتاد ذلك حتى يقع في الباطل من غير شعور بسبب شغله بالغناء وامتلاء قلبه به وميله إلى الباطل وإلا عشق فلانة وفلان وإلى صحبة فلانة وفلان ، وصداقة فلانة وفلان سورة لقمان الآية 6 وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا معناه : هو اتخاذ سبيل الله هزوا ، وسبيل الله هي دينه ، والسبيل تذكر وتؤنث فالغناء واللهو يفضي إلى اتخاذ طريق الله لهوا ولعبا وعدم المبالاة في ذلك وإذا تلي عليه القرآن تولى واستكبر وثقل عليه سماعه لأنه اعتاد سماع الغناء وآلات الملاهي فيثقل عليه سماع القرآن ولا يستريح لسماعه وهذا من العقوبات العاجلة .
فالواجب على المؤمن أن يحذر ذلك وهكذا على كل مؤمنة الحذر من ذلك ، وجاء في المعنى أحاديث كثيرة كلها تدل على تحريم الغناء وآلات اللهو والطرب وأنها وسيلة إلى شر كثير وعواقب وخيمة وقد بسط العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه [إغاثة اللهفان] الكلام في حكم الأغاني وآلات اللهو فمن أراد المزيد من الفائدة فليراجعه فهو مفيد جدا والله المستعان وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
بارك الله فيكي
دائماً مبدعة
نفع الله بك الإسلام والمسلمين