سقطت تلك الجملة على مسامعي فاستوقفتني وأنا أتجول في إحدى المحلات لأبتاع لإبنة أخي فاطمة بعضاً من حاجياتها … فأدرت وجهي سريعاً باستغراب وتعجب .. لأعرف ما سبب قول هذه الجملة .. وأيضا لأن صوت قائلها ليس غريباً علي .. !!!
عندما أدرت وجهي .. وجدت أن تعجبي زاد تعقداً ..
يـــــــا إلهــــي تلك فاطمه تحدث إحدى السيدات … ووجها البريئ قد غطاه الحزن والأسى ..
غريبــــــه من تلك السيده التي تخاطبها إبنة أخي وتناديها بخالتي .. وما سر جملتها .. كنت على وشك أن أقترب منها لأعرف ماذا فعلت تلك السيده بابنة أخي كي ترد عليها بهذا الرد ؟؟؟
وقبل أن أقترب بخطوات بدأ هذا الحديث بين فاطمة وتلك السيدة مما جعلني أتوقف في مكاني وأنا مشدودة … ومستغربه ومتعجبه .. مبتسمه وغاضبه .. فرحة وحزينة .. سعادة .. وألم .. مشاعر مختلطه ومتناقضة .. أحسست بها في آن واحد ..!!
وإليكـــــم فحوى ما دار بينهما لعلكم تشاركونني تلك المشاعر المتناقضة وتعذروني ..
" ألا تخافين الله يا خالتي " كانت تلك جملة فاطمة وهي تخاطب السيدة .. لتلتفت لها وهي متعجبة .. لتسألها "هل تخاطبيني يا صغيرتي ..؟؟"
فردت عليها فاطمه بصوت هادىء .. لكنه يحوي في طياته غضب مكتوم : " نعم يا خالتي أحادثك أنـــــت "..
فازداد تعجبها من تلك الطفلة فهي لا تعرفها .. فكيف تجرأت أن تخاطبها هكذا .. وتسألها سؤالاً كهذا … نظرت السيدة لفاطمة وقد بان عليها علامات التفكر بسر جملة هذه الطفلة .. لتسألها بدهشة : هل حدث مني شي يضايقك دون أن أشعر ؟
أجابتها فاطمة : " لا لم تضايقيني أنا .. بل ضايقتي الله " .. ازداد تعجبهـــــا .. كما زاد تعجبـــــــي معهــــــا ..
اقتربت السيده وجلست بالكرسي الذي تقف بجانبه فاطمة .. فسألتها : " ضايقت الله أنا .. كيف ..؟ ومتى..؟؟ "
أدارت فاطمه وجهها إليها وبصوت هادي قالت لها : " منذ لحظات يا خالتي قد رأيتك اخترت ثوباً لتشتريه .. لكنه احتاج بعض التعديلات .. فأشار عليك البائع أن تكتبي مقاساتك كي يستطيع أن يعدل هذا الثوب بالطريقة المناسبة لك .. لكنك تعذرتي وقلتي بأنك لا تعلمين .. فأشار عليك بأن يقوم هو بأخذ المقاسات بنفسه فوافقتي للأسف .. فاخذ البائع يضع يده على بعضاً من جسدك ليأخذ تلك القياسات .. وكانت يداه تلامس جسدك في أماكن متفرقة …. يد رجل غريب لامست أجزاء من جسدك … ألا تعتقدين بأن ذلك لا يضايق الله ؟؟؟؟
هل لو كانت يد رجل آخر هل ستقبلين ..؟؟ بالتأكيد لا .. لأنه لا يجوز لأي رجل أن يلمس أي سيدة بما أنها ليست أخته ولا زوجته ولا أمه أو ابنته ..فلما سمحت لهذا الرجل أن يسرق منك ما ليس له حق وأمام عينيك ودون اعتراض ..
صمتت السيدة بارتباك .. وقد اكتسى وجهها حمرة وكأنها خجلة من هذه الطفلة ..
وكأن فاطمة شعرت بذلك الخجل … فقالت لها وهي تهم بأن تتركها " خالتي جميعنا نخطئ .. لكن علينا ان ندرك خطئنا ولا نكرره .. فالله غفور رحيم لمن تاب .. وشديد العقاب لمن أبى أن يتوب " ..
ثم استدارت لتبحث عني .. أما أنا فكنت أعيش تلك المشاعر المتناقضة في آن واحد … سعادتي بوعي فاطمة وإدراكها وحسن تصرفها ولباقتها وأدبها في الحديث .. ومعرفتها بأمور دينها رغم صغر سنها … وحزني وألمي على ما بدر من تلك السيدة .. وانتهاكها حرمة الله .. وأمام الجميع ..
لم استفق إلا على صوتها العذب وهي تناديني : " عمتي .. عمتي مابالك !! "
نظرت لها ثم حملتها واحتضنتها وأنا أشعر بفخر كبير .. وسعاده عارمة وفرح ما بعده فرح .. وهمست في أذنها .. "انتي هبة الرحمن أنتي مسلمة مجاهدة يا فاطمة .. أنتي مسلمة مجاهدة يا فاطمة .. إن الله يحبك لأنك تحبينه .. فكوني دوماً هكذا لا تخشين في الحق لومة لائم "
ابتسمت لي وهي تقول : " وأليس للمسلمه المجاهد حاجيات لم تشتريها عمتها إلى الآن "!!
آآه .. يا فاطمة لله درك من طفلة صغيرة .. وعقل كبير ..
ليتنا نملك ما تملكين .. ليت لبعض رجالنا بعضا من غيرتك على دينك .. وليت لنسائنا بعضاً من خوفك من غضب ربك .. وليت وليت وليت ..
لم تخجلي في قول كلمة الحق … لم ترتبكي في إظهار الخطأ .. لم تخافي من غضب الغير .. لم تترددي في إيضاح الصواب .. لم تتوقفي عن إكمال من بدأتي به ..
نعم كم هو مؤلم ومخزي ما نراه من بعض نسائنا المسلمات .. من الاستهانه بهذه الامور .. ألا تعلم بأنها تقع في المحرمات عندنا تسمح لرجل غريب بحجة أخذ المقاس أن يقترب منها ويضع يده على جسدها ..
ألا تعلم بأنه عندما تفعل ذلك أمام صغيراتنا .. فهي تحلل أمامهن ما حرمه الله .. ويال فداحة هذا الامر.. ستحاسب عليه غدا حساب عسير ..
كالعادة ابداع رائع
وطرح يستحق المتابعة
شكراً لك
بانتظار الجديد القادم
دمت بكل خير