إننا إذا فكّرنا في هذا الذي منحَنا إيّاه ربُّنا، أدركنا عظمَتهُ.. وأَدركنا أنّ عطاءَنا له لن يتجاوزّ ولن يزيدَ على عطاء طفلٍ صغيرٍ اشترى له أبوه قطعةً كبيرةً من الحلوى، فمنحَ أباهُ قليلاً منها تعبيراً عن الامتنانِ والشُّكرِ .
كانت آياتُ القرآنِ الكريمِ، تنزلُ على رسولٍ اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام، فتتلقّاها الأرض بالفرحةِ والبهجةِ ويستقبلُها المسلمونَ المؤمنونَ بالترَّحاب والسَّعادةِ، ويقفونَ عندَها يتعرّفونَ معانِيها الكبيرةَ، العميقةَ..ثم يردّدونَها بقلوبهم وشفاهِهمْ، يتقرَّبونَ بها إلى اللهَ، ويتلونَها في صلاتهِم ويحمدون الله عليها، ويشكرون فضلهُ ويسألونه جلَّ وعلاَ المزيد منها.
وقد أوحى اللهُ تعالى إلى رسولهِ الكريمِ بتلكَ الآيةِ الشريفةِ التي تقولُ:
بسم اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
*مَّن ذَا الَّذِي يُقْرضُ الَلَهَ قَرْضاَ حَسَناَ فَيُضَاعَفُهُ لَهُ أضَعَافاً كَثيرةً واللهُ يَقبِضُ ويَبصُطُ وَإِلَيهِ تُرجْعُونَ *(سورة البقرة: 2/245 ) صدق الله العظيم
وعندما نزلتْ هذٍهٍ الآيةُ، تناقلها المُسلمونً، وقرأَها ( أبو الدَّحْداحِ ) وبهرتْهُ كلماتُ اللِه، وحفظَها عن ظهرِ قلبٍ، وانطلقَ يبحثُ عن رسولِ اللهِ ، حتى التقى بهِ..
قالَ أبو الدَّحداح:
– يا رسولَ اللهِ، إنَّ الله يستقرضُنا وهو غنيَّ عن القَرضِ ؟
قالَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: نعَم، يا أبا الدَّحداح، ليُدخِلكُم بهِ الجنَّةَ.
ويمُدُّ أبو الدَّحداح يدهُ، وهو يهتفُ قي حبًّ: ناولني يدَكَ يا رسولَ اللهِ… يناولهُ الرّسولُ يدهُ الشَّريفةَ.. وتسودُ لحظاتُ صمتٍ قصيرةٌ.. ويقولُ أبو الدَّحداحِ – بنبرةٍ هادئةٍ عميقةٍ – بعدَ الصَّمتِ:
– أُشهدُكَ يا رسولَ الله أنَّ لي حديقتينِ.. إحداهما بالسَّافلةِ والأُخرى بالعاليةِ، واللهِ لا أَملكُ غيرَهُما.. وقدْ جعلتُهما قرضاً للهِ عزَّ وجلَ.
وتصغي الدُّنيا بأَسرها لهذهِ الكلماتِ الرائعاتِ، تضيءُ لها طريقَها، وتعبّدهُ من أجل الخيرِ، ويسمعُها الرَّسولُ ? فيقولُ:
– إِذن، يجزيكَ اللهُ الجنَّة.
ولكنِ اجعلْ.. إحداهما للهِ، ودعِ الأُخرى معيشةً لكَ ولعيالكَ. يقولُ أبو الدًّحداح: أشهدُك يا رسولَ الله أني قد جعلتُ خيرَهُما – أي أفضلهُما – للِه عزَّ وجلَّ.. وهي حائطٌ أي – حديقةٌ – فيه ست مئةٍ نخلةٍ.
ويمضي الرَّجلُ الذي أقرضَ الله خير حديقتَيهِ، راضياً مرضياً.. وينطلقُ إلى تلكَ الحديقةِ التي تنازَلَ عنها، ليجدَ زوجتهُ وعيالهُ بين النَّخيل كانوا يقطفونَ من ثمرها، ويَجنُونَ بلَحها، فيهتفُ فيهم أبو الدَّحداحِ:
– دعوا كل شيءٍ هنا.. إنّه لم يعد لنَا .. فقد أقرضتُهُ لله سبحانهُ وتعالى.. فليسَ منْ حقَّنا بلحُ هذا النَّخيل ولا رُطبهُ..
وتتوقّف الزوجةُ والعيالُ عن مدَّ أيديهم، فهي تعفُّ عمّا ليسَ لهمْ.. فما بالنا، وهي مملوكةٌ للهِ سبحانهُ وتعالى ؟
وتُسرعُ الزّوجةُ الأمينةُ إلى عيالها.. بعضُهُم يمضَغُ بلَحاً من نخلِ الحديقةِ، فتسألُهُم ألاَّ يُنزلوا جوفَهُم شيئاً حراماً.. لأنّهم لا يملكونَهُ، وتُفرغُ كلَّ ما في جيوبهِم من التَّمرِ، فقد أصبحَ، وليسَ منْ حقّهم بعد أنْ أَقرضَ أبو الدحداحِ الحديقةَ كلَّهَا للهِ سبحانهُ وتعالى..
ويعلَمُ الرّسولُ عليهِ الصّلاةُ والسَّلامُ بما فعلهُ أبو الدَّحداح، وزوجتُه، ويشعرُ النَّبيُّ بالرّضا للتَّصرفِ الكريمِ النبيلِ، فيقول ?:
(( كمْ منْ عذْقٍ رَدَاحِ ودارٍ فيّاحٍ، في الجنَّةِ، لأَبي الدَّحداحِ