قال تعالى : ( والسابقون السابقون أولئك المقربون )
وقال تعالى : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب )
وقال تعالى : ( واسجد واقترب ) .
إعلم أن أشرف المقامات المقصودة بالذات هو مقام القرب من حضرة
الرب جل وعلا , ذي الجلال والإكرام , والطول والإنعام .
والقرب هو على مراتب متفاوتة ومتعددة , حسب رتبة المقرّب ,
ومن ثَمّ وصف الله تعالى ملائكته تشريفاً لهم فقال : ( لن يستنكف
المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون ) .
ووصف الله تعالى أنبياءه ورسله المكرمين تفضيلاً وتشريفاً فقال لهم
في عيسى ابن مريم عليهما السلام : ( اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً
في الدنيا والآخرة ومن المقربين ) أي من الأنبياء والمرسلين المقربين قرب
النبوة والرسالة .
وإن أقرب المقربين وإمام المتقربين من الأنبياء والمرسلين هو سيدنا محمد
صلى الله عليه وآله وسلم صاحب مقام الوسيلة التي هي أفضل المنازل
وأعلاها , وأرفع المراتب وأسماها , وجميع المنازل والمراتب فهي دونها .
ووصف الله تعالى بالقرب خاصة عباده فقال سبحانه : ( والسابقون السابقون
أولئك المقربون ) .
وبيّن أن كمّل عباده وخواصّهم الذين يبذلون جهودهم ويحرصون
كلّ الحرص على مقام القرب ويتسارعون أيّهم أقرب , فقال سبحانه :
( أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيّهم أقرب ويرجون رحمته
ويخافون عذابه ) الآية .
كما بيّن سبحانه أن مقام القرب الخاص يكون به الشرف الأكبر , شرف
الملأ الأعلى والأدنى , فقال تعالى : ( لن يستنكف المسيح أن يكون
عبداً لله ولا الملائكة المقربون ) .
وإن مقام القرب الخاص يعطى صاحبه مرتبة الشهود والشهادة على
من دونه قال تعالى : ( كلاّ إن كتاب الأبرار لفي علّيين وما أدارك ما عليون
كتاب مرقوم يشهده المقربون ) .
وقد جاء في الحديث القدسي عن رب العزة – ما فيه تنشيط الهمم
وتقوية العزائم نحو التقرب إلى الله تعالى , وأن من تقرب إليه سبحانه
فإن الله تعالى يتقرب إليه ضعف ما تقرب العبد إليه , لأنه سبحانه يحب من
عبده أن يتقرب إليه حتى يقربه , وما شرع الله تعالى العبادات والطاعات
إلا ليقربهم بها إليه , فإنها قربات تقربهم إلى الله زلفى .