وفق نبوءة تدعي أنها قديمة وتتخذ من يوم افتتاح كنيس الخراب الواقع في الحي اليهودي من البلدة القديمة في القدس إشعاراً بهدم الأقصى وبناء ما يدعى الهيكل أو المعبد مكانه.
ومعلوم أن كنيس الخراب هو بناء أقيم في بداية أواخر القرن التاسع عشر عندما تسلم أحد الولاة العثمانيين الماسون ولاية القدس وعملوا على نشر الكنس وسيطرة اليهود عليها وقد هدم الكنيس فيما بعد وبوشر بإعادة بنائه منذ سنوات ومن هنا كان اختراع هذه النبوءة.
والسؤال اليوم هل سيهدم الأقصى في هذا التاريخ؟
ولماذا يعلن الصهاينة ذلك صراحة؟
الأمر الذي يجعل الانسان المراقب يتساءل عن أهداف هذا الإعلان ومراميه.
وقبل الخوض في ذلك لا بد بداية أن نقرر مسائل مهمة في موضوع المسجد الأقصى وإمكانية هدمه.
الحقيقة الأولى: بأن المسجد الأقصى هو الأرض وليس الحجر المبني مما يعني أنه لو هدمت هذه الأبنية التي تشكل تراثاً تاريخياً عريقاً للمسلمين فإن القداسة لا تذهب عن الأرض وتبقى تلك الأرض هي المسجد الأقصى تماماً فيما لو أزيلت الكعبة ( للترميم مثلاً ) فأنه يبقى مكانها هو الكعبة ويطاف حوله، وهكذا تبقى أرض الأقصى الأرض التي يشد إليها الرحال وهي المقصودة بكلمة المسجد عندما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم شد الرحال إليها.
الحقيقة الثانية: بأن المسجد الأقصى ليس بناء واحداً حتى نعتبر الأقصى قد هدم إذا ما هدم هذا البناء ، فهو يشمل أكثر من مئتي بناء تاريخي بحيث يضم أكثر من ستة مساجد، وخمس عشرة مدرسة، وعدداً كبيراً من المصاطب والخلوات والزوايا والأسبلة والأروقة والمآذن والقباب ومبان أخرى كثيرة، وعلى هذا فما الذي سيهدم من الأقصى حتى نعتبر أن الأقصى قد هدم؟ هذا كله يجعل من قضية هدم الأقصى كاملاً مسألة صعبة ويؤكد وجود خديعة ما في الإعلان الإسرائيلي عن هدم الأقصى منتصف آذار مارس القادم.
الحقيقة الثالثة: هي أن مشروع الحفريات الإسرائيلية تحت وحول الأقصى قد تحول عن أهدافه مرات عدة وبعدما كان في مرحلة ما يهدف إلى هدم الأقصى بات اليوم كما تشير تقارير الخبراء بواقع القدس بهدف تأمين وجود تراثي وتاريخي يهودي وخلق واقع سياحي وديني على الأرض من خلال تحويل معظم هذه الحفريات إلى كنس أو مدن أثرية أو معارض أو متاحف أو قاعات أو طرقات أنفق عليها كلها مئات الملايين من الدولارات وأبدعت المنظمات الصهيونية في اختراع تاريخ لها في القدس أو انتحال تاريخها وتزوير آثارها، وبخاصة تلك الحفريات القائمة على طول الجدار الغربي للمسجد الأقصى التي يعتبر هدمها خسارة لما يعتبره اليهود مقدساً ومكتشفاً يدل على تاريخهم ووجودهم المزعوم، هذا يعني استبعاد فكرة الانهيار في الحائط الغربي.
أما فيما لو حصل انهيار على طول الجدار الشرقي
مثلاً فإنه لن يؤثر على بنية أي مسجد سوى جزء من المصلى المرواني بالتالي لن يكون له معنى كبير في خدمة مخطط الهدم، ونفس الأمر للجزء الشمالي الذي يحوي المدارس فقط، الإمكانية الوحيدة والمؤثرة لحصول هذا الهدم أو الانهيار المفترض هو في الجزء الجنوبي من الأقصى حيث كامل المسجد القبلي ومعظم المصلى المرواني كما أنه مشروع صهيوني قديم خاصة لجهة المصلى المرواني كما أن الصهاينة قد بنوا درجاً في تلك الجهة سموه مدخل الهيكل أو المعبد ويجري التوسع في الحفريات تجاه الجنوب لإقامة ما يسمى مدينة داود الأثرية فوق حي سلوان، ومع ذلك فإنني أستبعد إلى حد ما إمكانية هذا الهدم لتأثيرها على الجهة الجنوبية الغربية حيث وجود ساحة البراق وحائطها الذي يسميه الصهاينة زوراً بالمبكى فضلاً من وجود قناطر وبوابات يزعم الصهاينة أنها من آثار الهيكل ويبنون عليها أوهاماً كثيرة. هذا لا يعني استبعاد الفكرة نهائياً لأن الصهاينة كما أسلفت يعدلون خططهم باستمرار.
الحقيقة الرابعة: هي أن اليهود في الفترة الأخيرة بدأوا بمخطط واضح من خلال الاقتحامات الجماعية وتأدية الطقوس الدينية في الساحات الجنوبية الغربية للأقصى التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المسجد الأقصى، وذلك بهدف اقتسامه أو السيطرة على هذا الجزء وتحويله إلى نواة معبد يتوسع لاحقاً على طريقة المسجد الإبراهيمي في الخليل الذي بات كنيساً يهودياً في معظم أوقاته بعد أن ابتدعوا فكرة تقسيمه بينهم وبين المسلمين كمرحلة أولى، نطلقوا بعدها لقضم مساحات أكبر منه، حتى بات معظم المسجد الإبراهيمي كنيساً يهودياً وضموه مؤخراً إلى قائمة المواقع الأثرية اليودية، لذلك فإن محاولة تكرار نفس المخطط مع حالة المسجد الأقصى هو الأكثر إمكانية، مما يجعلنا نميل إلى أن التقسيم هو الوارد لديهم وليس الهدم، خاصة بعدما وجدوا في مسألة الهدم مخاطرة كبيرة إذ أنه يمكن لخطوة كهذه أن تطلق شرارة ثورة عارمة في المجتمعات الإسلامية داخل وخارج فلسطين يمكنها أن تؤدي إلى تهديد وجود اليهود في فلسطين وبعض من أعوانهم خارجها.
إذا لماذا إعلان الهدم في منتصف آذار مارس؟؟؟
حتى نجيب على هذا السؤال علينا أن نفهم الأسلوب الإسرائيلي الماكر والخبيث في تحقيق مآربهم، فهم يعلنون سقفاً عالياً لأفعالهم يجعل الأمة الإسلامية والعربية تستشعر وتتصور خطراً كبيراً محدداً يحدق بالقضية حتى إذا ما توجهت كامل جهودهم تجاه مجابهة هذا الخطر نفذ الصهاينة ما هو أقل منه بكثير وأدنى منه سقفاً مما يخدر الأمة الثائرة ويوهمهما بأن المسألة مرت بسلام.
ولتطبيق هذا الأسلوب في واقع المسجد الأقصى فإن الصهاينة أعلنوا سقفاً عالياً تجاهه وهو الهدم وبناء الهيكل مكانه، حتى إذا ما كان اليوم المحدد نفذوا عملية اقتحام سريعة وسيطروا فيها على ساحات الأقصى الجنوبية الغربية مثلاً أو الجنوبية الشرقية ( المرواني) وأوهموا الأمة الإسلامية والعالم أنهم لم ينجحوا في هدم الأقصى وبناء معبدهم الموهوم وأن جل ما فعلوه هو الصلاة في زاوية من ساحته، فانتشى من انتشى بنصره على اليهود، وهدأ من هدأ بفوات مقصد الصهاينة، لا بل ونام من نام لأن المسألة كانت مضخمة جداً ولم يحصل سوى أمر بسيط أقل بكثير مما كان متوقعاً والحمد لله على السلامة.
هل الأقصى في خطر يوم 16/3
بكل تأكيد وثقة فإن الأقصى سيكون كما هو الآن في خطر وسيشتد هذا الخطر في 16/3 لأن الصهاينة سيحاولون تنفيذ شيء ما في ذلك التوقيت ولأن الأمة قد تمرر عليها مؤامرة اقتطاع جزء من مجرد ساحاته وليس الهدم، وقد تنطلي عليها هذه الخدعة وتهدأ لأن الأقصى لم يهدم، والحقيقة أن أخذ هذا الجزء من الساحة هو بداية مرحلة خطرة جداً لن تقل خطورتها عن لحظة احتلال الأقصى عام 67، ذلك أن هذا الجزء من الساحة هو جزء من مقدسنا أي المسجد الأقصى ولأن السيطرة على هذا الجزء هو بداية مرحلة القضم والاقتطاع من الأقصى وصولاً إلى السيطرة شبه الكاملة كما حصل في المسجد الإبراهيمي الأسير الذي لا تزال قصته ماثلة أمام أعيننا وتطوراتها تتفاعل، والذي يجب العمل أيضاً لنصرته والدفاع عنه وإخراج المحتلين منه.
واجبنا تجاه كل هذا:
1- عدم الانجرار وراء الخدع اليهودية وتسويق آرائهم وتهديداتهم على أنها مسلمات بل إن الصهاينة كثيراً ما كانوا يدسون أفكاراً تتبناها وسائلنا الإعلامية من دون تدقيق، ثم نقع فريسة لها وتتحق مآرب الصهاينة وتمرر علينا الخديعة، ومن أدل الأمثلة على ذلك إيهامنا بأن الأقصى هو فقط المسجد القبلي أو هو فقط قبة الصخرة، وهذه الخديعة انطلت على الكثير من أمتنا ولا زال بعضهم يصر عليها بشكل عجيب.
2-الضغط المتصاعد على كل المستويات من الضغط الشعبي على الأنظمة والحكام للتحرك تجاه نصرة الأقصى وحمايته، إلى الضغط على المؤسسات الدولية وجامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي ولجنة القدس والسفارات والهيئات المختلفة شعبياً ورسمياً عبر الاحتجاجات والزيارات ورفع المطالب بهدف دفعهم إلى التحرك لحماية الأقصى.
3-استخدام وسيلة الضغط الشعبي على الصهاينة من خلال الاعتصامات السلمية الاحتجاجية على حدود الدول العربية مع فلسطين مما يرسل إشارة قوية إلى الصهاينة يفهمونها جيداً.
4-رفع مستوى دعم القدس المادي الذي لا يكاد يذكر هذه الأيام أمام حجم المعاناة في القدس وكذلك رفع مستوى الدعم المعنوي للمقدسيين والمرابطين داخل المسجد الأقصى وتثبيت أهل القدس الحراس الحقيقيين عن المسجد الأقصى الصامدين في بيوتهم أمام مشروع التهويد، والتنسيق بين كل المؤسسات والهيئات الداعمة من أجل كفاية المقدسيين في مواجهتهم وتحقيق أولويات صمودهم المتعدد الحاجات.
5-الضغط الرسمي والشعبي على السلطة الفلسطينية لإيقاف ملاحقتها للمقاومين والمجاهدين في الضفة وإطلاق المعتقلين منهم ليقوموا بدورهم في الدفاع عن الأرض والعرض والمقدس، ذلك أن هذه المقاومة المشروعة هي من أنجح السبل في ردع المحتل وإيقاف صلفه وتجبره.
6-دعوة وسائل الإعلام إلى إبراز أية واقعة أو تحرك يحصل عند المسجد الأقصى ويشكل بداية خطر عليه، واستنفار الرأي العام للشعوب العربية والإسلامية كي تأخذ دورها في الحفاظ على المقدسات، ذلك أن العاتق الأكبر في استنهاض الشعوب يقع على وسائل الإعلام.
7-استنهاض المخزون البشري والنوعي القانوني عند العرب والمسلمين وأحرار العالم لاستثمار القانون الدولي في تكبيل حركة المحتل وملاحقته دولياً بتهمة التطهير العرقي في القدس والإعتداء على المقدسات تماماً كما حصل في تقرير غولدستون للتحقيق في جرائم الحرب على غزة الأمر الذي أربك الصهاينة وفضحهم وقد تكون له إنجازات أخرى فيما بعد.
وعلى هذا فإنني أناشد من بيده القرار أن يقف موقفاً يكتب له عند الله في الدفاع عن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث المساجد المقدسة في الإسلام ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم الذي جبلت أكنافه بدماء ملايين الشهداء على مر العصور من أسلافنا لإبقائه عزيزاً محرراً من كل غاصب.
كما أناشد أبناء الأمة وهيئاتها ومؤسساتها الأهلية والشعبية كل في مجاله وتخصصه إلى العمل السريع لنصرة مقدساتنا وأهلنا في القدس بشتى الوسائل الناجحة وبمختلف الإمكانيات المتاحة.
وأخيراً دعوة للشباب والشابات في العالم كله إلى نشر واقع القدس والمقدسات والعمل على بث ثقافتهما وصولاً إلى إنشاء جيل النصر المنشود الذي يجدد ذكرى حطين وأمجاد عين جالوت.