تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » إنــــــــه إنذاااااااااااااار

إنــــــــه إنذاااااااااااااار 2024.

  • بواسطة

إنــــــــه إنذاااااااااااااار

عشت مرحلتي الدراسية الأولى مع والدي … وفي بيئة صالحة كنت أسمع دعاء أمي وأنا عائد من سهري آخر الليل . . أسمع صوت أبي في صلاته الطويلة … طالما كنت أقف متعجبا من طولها …خاصة عندما يحلو النوم أيام الشتاء البارد…
أتعجب في نفسي وأقول … ما أصبره … كل يوم هكذا … شيء عجيب.
لم أكن أعرف أن هذه هي راحة المؤمن، وأن هذه هي صلاة الأخيار…يهبون من فرشهم لمناجاة الله…
بعد المرحلة التي قطعتها في دراستي العسكرية… ها قد كبرت وكبر معي بعدي عن الله…
على رغم من النصائح التي أسمعها وتطرق مسامعي بين الحين والآخر…
عينت بعد تخرجي في مدينة غير مدينتي وتبعد عنها مسافة بعيدة …ولكن معرفتي الأولى بزملائي في العمل خففت ألم الغربة على نفسي…
انقطع على مسامعي صوت القرآن …انقطع صوت أمي التي توقظني للصلاة وتحثني عليها… أصبحت أعيش وحيدا …بعيدا عن الجو الأسري الذي عشته من قبل…
تم توجيهي للعمل في مراقبة الطرق السريعة… وأطراف المدينة للمحافظة على الأمن ومراقبة الطرق،ومساعدة المحتاجين.. كان عملي متجددا عشت مرتاحا.. أؤدي عملي بجد وإخلاص…
ولكني عشت مرحلة متلاطمة الأمواج…
تتقاذفني الحيرة في كل اتجاه… لكثرة فراغي …وقلة معارفي..
وبدأت أشعر بالملل…لم أجد من يعينني على ديني…بل العكس هو الصحيح…
من المشاهد المتكررة في حياتي العملية الحوادث والمصابين….
ولكن يوما مميزا… في أثناء عملنا توقفت أنا على جانب الطرق… نتجاذب أطراف الحديث ..
فجأة سمعنا صوت ارتطام قوي..
أدرنا بصرنا …فإذا بها سيارة أخرى كانت قادمة من الاتجاه المقابل… هبينا مسرعين لمكان الحادث لإنقاذ المصابين …
حادث لا يكاد يوصف …شخصان في حالة خطيرة …وأخرجناهما من السيارة …ووضعناهما ممددين…
أسرعنا لإخراج صاحب السيارة الثانية … الذي وجدناه فارق الحياة… عدنا للشخصين فإذا هما في حالة الاحتضار.
هب زميلي يلقنهما الشهادة..قولوا لا إله إلا الله…لا إله إلا الله…
لكن ألسنتهما ارتفعت بالغناء…أرهبني الموقف…وكان زميلي على عكسي يعرف أحوال الموت…
أخذ يعيد عليهما الشهادة…
وقفت منصتا…لم أحرك ساكنا شاخص العينين أنظر… لم أر في حياتي موقفا كهذا… بل قل لم أر الموت من قبل وبهذه الصورة… أخذ زميلي يعيد عليهما الشهادة…وهما مستمران في الغناء..
لا فائدة…
بدأ صوت الغناء يخفت…شيئا فشيئا…سكت الأول وتبعه الثاني…لا …حراك …
حملناهما إلى السيارة ..وزميلي مطرق لا ينبس ببنت شفه… سرنا مسافة قطعها الصمت المطبق..
قطع هذا الصمت صوت زميلي فذكر لي حال الموت وسوء الخاتمة … وأن الإنسان يختم له إما بخير أو شر… وهذا الختام دلالة لما كان يعمله الإنسان في الدنيا غالبا. وذكر لي القصص الكثيرة التي رويت في الكتب الإسلامية… وكيف يختم للمرء على ما كان عليه بحسب ظاهره وباطنه …
قطعنا الطريق إلى المستشفى في الحديث عن الموت والأموات ،وتكتمل الصورة عندما أتذكر أننا نحمل أمواتا بجوارنا…خفت من الموت واتعظت من الحادثة…وصليت صلاة ذلك اليوم صلاة خاشعة …
ولكن نسيت هذا اليوم بالتدريج..بدأت أعود إلى ما كنت عليه ..وكأني لم أشاهد الرجلين وما كان منهما… ولكن للحقيقة أصبحت لا أحب الأغاني… ولا أتلهف عليها… كسابق عهدي … ولعل ذلك مرتبط بسماعي لغناء الرجلين حال احتضارهما…
من عجائب الأيام…
بعد مدة تزيد على ستة أشهر ..حصل حادث عجيب … شخص يسير بسيارته سيرا عاديا …وتعطلت سيارته…وفي أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة…
ترجل من سيارته…لإصلاح العطل في أحد العجلات… عندما وقف خلف سيارته…لكي ينزل العجلة السليمة…
جاءت سيارة مسرعة… وارتطمت به من الخلف سقط مصابا إصابات بالغة…حضرت أنا وزميل آخر غير الأول… وحملناه معنا في السيارة وقمنا بالاتصال بالمستشفى لاستقباله…
شاب في مقتبل العمر …متدين يبدو ذلك من مظهره…
عندما حملناه سمعناه يهمهم…ولعجلتنا في سرعة حمله لم نميز ما يقول.
ولكن عندما وضعناه في السيارة وسرنا.
سمعنا صوتا مميزا…
إنه يقرأ القرآن….وبصوت ندي …سبحان الله لا نقول أن هذا مصاب …
الدم قد غطى ثيابه …وتكسرت عظامه…بل هو على ما يبدو على مشارف الموت…
استمر يقرأ بصوت جميل تلك القراءة… كنت أحدث نفسي وأقول سألقنه الشهادة مثل ما فعل صديقي..
أنصت إليه أنا وزميلي لسماع ذلك الصوت الرخيم…
أحسست أن رعشة سرت في جسدي …وبين أضلعي…
فجأة سكت ذلك الصوت…التفت إلى الخلف …فإذا به رافع إصبع السبابة يتشهد…
ثم انحنى رأسه …
قفزت إلى الخلف…
لمست يده…
قلبه …
أنفاسه …
لا شيء …
فارق الحياة…
نظرت إليه طويلا ..سقطت دمعة من عيني…التفت إليه وأخبرته أن الرجل قد مات…انطلق زميلي في البكاء…أما أنا فقد شهقت شهقة وأصبحت دموعي لا تقف…أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثرا…
وصلنا إلى المستشفى …
أخبرنا كل من قابلنا عن قصة الرجل …الكثير تأثروا من حادثة موته،وذرفت دموعهم… أحدهم بعدما سمع قصة الرجل ذهب وقبل جبينه…
الجميع أصروا على عدم الذهاب حتى يعرفوا من يصلي عليه ،ليتمكنوا من الصلاة عليه.
اتصل أحد الموظفين في المستشفى بمنزل المتوفى…كان المتحدث أخوه….قال عنه..إنه يذهب كل اثنين لزيارة جدته الوحيدة في القرية ….كان يتفقد الأرامل والأيتام والمساكين …كانت تلك القرية تعرفه فهو يحضر لها الكتب والأشرطة الدينية… وكان يذهب وسيارته مملوءة بالأرز والسكر لتوزيعها على المحتاجين…وحتى حلوى الأطفال لا ينساها ليفرحهم بها… وكان يرد على من يثنيه عن السفر ويذكر له طول الطريق ..إنني استفيد من طول الطريق بحفظ القرآن ومراجعته…وسماع الأشرطة والمحاضرات الدينية …وإنني أحتسب إلى الله كل خطوة أخطوها…
من الغد …غص المسجد بالمصلين… صليت عليه مع جموع المسلمين الكثيرة …وبعد أن انتهينا من الصلاة حملناه إلى المقبرة…أدخلناه في تلك الحفرة الضيقة…
وجهوا وجهه إلى القبلة …
بسم الله الرحمن الرحيم …
بدأنا نهيل عليه التراب …
اسألوا لأخيكم التثبيت فإنه يسأل ….
استقبل أول أيام الآخرة …استقبلت أول أيام الدنيا…تبت مما عملت ،عسى الله أن يعفوا عما سلف وأن يثبتني على طاعته ،وأن يختم لي بخير …وأن يجعل قبري وقبر كل مسلم روضة من رياض الجنة…


دُمتَمْ بِهذآ الع ـطآء أإلمستَمـرٍ

يُسع ـدني أإلـرٍد على مـوٍأإضيعكًـم

وٍأإألتلـذذ بِمـآ قرٍأإتْ وٍشآهـدتْ

تـقبلـوٍ خ ـآلص احترامي

لآرٍوٍآح ـكُم أإلجمـيله

كل الشكر لكـِ ولهذا المرور الجميل

لاعــدمت الطلــّـه الـعطرهـ

قصة مؤثرة جدا
شكرا على الطرح
خليجية
الوسوم:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.