تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » نصيحة من الحبيب : اتقِ الله حيثما كنت ." شرح الحديث "

نصيحة من الحبيب : اتقِ الله حيثما كنت ." شرح الحديث " 2024.

بسم الله الرَّحمن الرحيم

الحمد لله رب العالـمين وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وإمام المتقين نبينا مُحمد وعلى جَميع إخوانه من النبيين والمرسلين وعلى آله الطيبين. اما بعد :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتقِ الله حيثما كنت " [1] المعنى أن الإنسان حيثما كان عليه أن يتقي الله بأن يؤدي ما افترض الله عليه من العبادات. فمن كان كذلك فهو بخير عند الله ، ليس الشأن بقرب النسب من رسول الله إنما الشأن بالقرب المعنوي أي أن يكون الإنسان مؤمنًا تقيًا ثم لا يبالي أينما كان ، لو كان في أقصى الشرق أو في أقصى الغرب.


فالعاقل من حصل علم الدين الضروري فهمه وعلمه للناس ، وخاصة علم العقيدة ما يتعلق بصفات الله التي كلها كمال وتنزيه الله صفات الخلق ، تنزيه الله عن الجسم والشكل والمكان والحد والجهة والتغير وكذلك وصف الأنبياء بما يليق وتبرئتهم عما لا يجوز عليهم كالكفر والكبائر وصغائر الخسة وما شابه.

ومن حصل شىء من علم الدين ينشره للناس برفق وشفقة على عباد الله الذين قصروا عن تحصيل الفرض العيني من علم الدين .


قال صلى الله عليه وسلم: " ما كان الرفق في شىء إلا زانه " [2] وفي لفظ آخر : " إن الله يحب الرفق في الأمر كله " [3] ، في التعليم في معاملة الناس في كل شىء الرفق مطلوب ، الأخذ بطريق الحكمة في الأمر والنهي .


منطوق الأحاديث وتحقيقها :

[1] – وعن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل – رضي الله عنهما – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق " حسن رواه الترمذي ، وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ حسن صحيح

[2] – " ما كان الرفق في شيء إلا زانه، و لا نزع من شيء إلا شانه "
الراوي : عائشة و أنس بن مالك – المحدث : السيوطى – المصدر : الجامع الصغير – الصفحة أو الرقم: 7964- خلاصة حكم المحدث : صحيح

[3] – " كان اليهود يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم يقولون : السام عليك ، ففطنت عائشة إلى قولهم ، فقالت : عليكم السام واللعنة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مهلا يا عائشة ، إن الله يحب الرفق في الأمر كله ) . فقالت : يا نبي الله ، أولم تسمع ما يقولون ؟ قال : ( أولم تسمعي أني أرد ذلك عليهم ، فأقول : وعليكم ) " .
الراوي :عائشة – المحدث : البخارى – المصدر: صحيح البخارى – الصفحة أو الرقم : 6395 – خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

" يتبــــع " شرح الحديث كاملاً فى المشاركة التالية :

شرح حديث: { اتق الله حيثما كنت } كاملاً

عن أبي ذر جندب بن جنادة ، و أبي عبد الرحمن معاذ بِن جبل رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن ) . رواه الترمذي وقال : حديث حسن .

الشرح
التقوى هي سفينة النجاة ، ومفتاح كل خير ، كيف لا ؟ وهي الغاية العظمى ، والمقصد الأسمى من العبادة ؟ ، إنها محاسبة دائمة للنفس ، وخشية مستمرة لله ، وحذر من أمواج الشهوات والشبهات التي تعيق من أراد السير إلى ربه ، إنها الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والقناعة بالقليل ، والاستعدادُ ليوم الرحيل .

من هنا كانت التقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه ، قال تعالى : { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله } ( النساء : 131 ) ، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لجميع أمته ، ووصية السلف بعضهم لبعضهم ، فلا عجب إذا أن يبتدأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحته لمعاذ بن جبل و أبي ذر رضي الله عنهما .

والتقوى ليست كلمة تقال ، أو شعاراً يرفع ، بل هي منهج حياة ، يترفّع فيه المؤمن عن لذائذ الدنيا الفانية ، ويجتهد فيه بالمسابقة في ميادين الطاعة ، ويبتعد عن المعاصي والموبقات ، وقد جسد أبي بن كعب رضي الله عنه هذا المعنى لما سئل عن التقوى ؟ فقال : " هل أخذت طريقا ذا شوك ؟ قال : نعم ، قال : فكيف صنعت ؟ قال : إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه ، قال : ذاك التقوى " وقد أخذ ابن المعتز رحمه الله هذا المعنى ، وصاغه بأبيات بديعة من الشعر فقال :
خل الذنوب صغيـــرها ** وكبيــرها ذاك التقـى
واصنع كمـاش فوق أرض * الشوك يحذر ما يرى
لا تحقـــرن صغيــرة **** إن الجبـال من الحصى

ومن تمام التقوى ، أن يترك العبد ما لا بأس به ، خشية أن يقع في الحرام ، ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فمن اتقى الشبهات ، فقد استبرأ لدينه وعرضه ) رواه مسلم ، وفي هذا المعنى يقول أبو الدرداء رضي الله عنه : " تمام التقوى ، أن يتقي الله العبد ، حتى يتقيه من مثقال ذرة ، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال ، خشية أن يكون حراما ، فيكون حجابا بينه وبين الحرام ، فإن الله قد بيّن للعباد الذي يصيرهم إليه فقال : { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( الزلزلة : 7 – 8 ) " ، فلا تحقرن شيئا من الخير أن تفعله ، ولا شيئا من الشر أن تتقيه .

وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( اتق الله حيثما كنت ) تنبيه للمؤمن على ملازمة التقوى في كل أحواله ، انطلاقاً من استشعاره لمراقبة الله له في كل حركاته وسكناته ، وسره وجهره ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( اتق الله حيثما كنت ) إشارة إلى حقيقة التقوى ، وأنها خشية الله في السرّ والعلن ، وحيث كان الإنسان أو صار ، فمن خشي الله أمام الناس فحسب فليس بتقي ، وقد قال تعالى في وصف عباده المؤمنين : { من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ، ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود } ( ق : 33 – 34 ) .

وقد يظن ظان أن المتقي معصوم من الزلل ، وهذا خطأ في التصور ؛ فإن المتقي قد تعتريه الغفلة ، فتقع منه المعصية ، أو يحصل منه التفريط في الطاعة ، وهذه هي طبيعة البشر المجبولة على الضعف ، ولكن المتقي يختلف عن غيره بأنه إذا تعثّرت به قدمه ، بادر بالتوبة إلى ربه ، والاستغفار من ذنبه ، ولم يكتف بذلك ، بل يتبع التوبة بارتياد ميادين الطاعة ، والإكثار من الأعمال الصالحة ، كما أمره ربه في قوله :{ وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين } ( هود : 114 ) ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها ) .

ولئن كانت التقوى صلة مع الله تبارك وتعالى ، وتقرّبا إليه ، فهي أيضا إحسان إلى الخلق ، وطيبة في التعامل ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وهكذا يظهر لنا التكامل والتناسق في القيم الإيمانية ، فإن الأخلاق الحميدة رافد من روافد التقوى ، وشعبة من شعب الإيمان .

وللأخلاق الفاضلة مكانة عظيمة في شريعتنا ، فإنها تثقل ميزان العبد يوم الحساب ، ويبلغ بها درجة الصائم القائم ، وهو سبب رئيس في دخول الجنة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ ، قال : ( تقوى الله ، وحسن الخلق ) رواه أحمد .

وإذا عرفنا ذلك ، فإن هناك وسائل تعين العبد على التخلق بالأخلاق الحسنة ، أعلاها : التأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء ، لاسيما وأنهم أعلى الناس خلقا ، وأوفرهم أدبا ، فإذا أراد المسلم التحلي بالصبر ، قرأ قصة نبي الله يوسف عليه السلام ، وإذا أراد التخلّق بالحلم ، نظر إلى حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه ، وهكذا ينهل من أخلاق الأنبياء ، ويتعلّم منهم شمائل الخير كلها .

وبعد : فقد تبيّن لنا من خلال هذا الحديث معاني التقوى وأحوالها ، كما تبيّن لنا أيضا أن الإسلام يقبل من العاصي توبته ، ولا يطرده من رحمة الله ، وظهرت لنا معالم الخلق الحسن وأهميته ، فجدير بنا أن نعمل بهذه الوصايا الثلاث ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من عباده المتقين، آمين.


خليجية
جزاكم الله خيرا
غاليتي لحن
على التواجد والمرور الطيب
بارك الله فيكم
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

كالعادة ابداع رائع

وطرح يستحق المتابعة

شكراً لك

بانتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

خليجية

جزاكم الله خيرًا على المرور والدعاء

تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمــال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.