كيف ندرس نصًا أدبيًا ؟
الغاية من دراسة النص دراسة أدبية هي تقدير قيمة النص ، أي الحكم له بالجودة ، أو الحكم عليه بالتقصير ، أو وضعه بين بين ، ولكي نصل إلى هذه الغاية ، لابد من أن نمر بثلاث مراحل أساسية ، هي على التوالي :
1 ـ فهم النص .
2 ـ تذوق النص أو نقده .
3 ـ الحكم له أو عليه .
فهم النص :
ولفهم النص نتبع الخطوات التالية :
أ ـ قراءة النص مرات عدّة مع محاولة فهمه .
ب ـ شرح غوامض النص من مفردات وعبارات .. ولفهم ذلك نستعين بالوسائل التالية :
1 ـ الرجوع إلى المعجم أو ما يشبهه .
2 ـ ملاحظة سياق الكلام من حيث التشابه أو التضاد .
3 ـ ملاحظة حركات الإعراب .
4 ـ تقليب اللفظة على وجوهها الصرفية .
5 ـ رد الضمائر إلى أصحابها .
6 ـ إعادة ترتيب الكلام إلى ما كان عليه قبل التقديم والتأخير .
7 ـ فك طرفي الاستعارة لإظهار المحذوف إن كان مشبّهًا أو مشبّهًا به ، ومثل ذلك في توضيح دلالة الكناية .
والخطوتان السابقتان بتفاصيلهما تنفذان قبل الشروع في الكتابة .
أما في الكتابة فنتبع المراحل التالية :
1 ـ مقدمة موجزة مركزة نربط فيها النص بما يوضحه من حياة الأديب صاحب النص ، والمناسبة التي قيل فيها .
2 ـ شرح معاني النص :
وشرح المعاني يكون بنقل كلام الأديب من أسلوبه الخاص إلى أسلوبنا النثري .
وهناك طريقتان للشرح ، هما :
أ ـ شرح النص بيتًا بيتًا ، على أن نربط بين البيت والذي يليه بحرف من حروف الوصل ، كالواو والفاء ونحوهما ، ليبدو النص كلا متماسكًا .
ب ـ شرح النص بشكل متصل ، مستخدمًا :
1 ـ ضمير المتكلم نيابة عن الشاعر .
2 ـ أو الإشارة إلى الشاعر بضمير الغائب .
ولا يجوز الخلط بين الطريقتين .
هذا ، وينبغي استيعاب المعاني الكلية والجزئية للنص بلا زيادة أو نقصان ، إلا ما تقتضيه الحاجة لتوضيح غامض ، أو تفصيل موجز ، مع عدم تكرار ألفاظ الأديب في نثرنا .
كما ينبغي الحفاظ على صور الأديب وعواطفه ، وتلاوينه الأسلوبية بين الخبر والإنشاء .
تذوق النص أو نقده :
دراسة الأفكار والمعاني :
وتحتوي على ثلاثة أمور :
أ ـ بيان الغرض الأساسي للنص ، والهدف الذي يرمي إليه الأديب .
وأين برز هذا الغرض ؟
ومن أين استمد ؟ من الحياة ؟ أم من الكتب ؟ أم من الخيال ؟
وقد يكون النص ذا موضوع واحد ، على عادة الشعر المعاصر والشعر العباسي ، وقد يكون في النص عدة موضوعات ، كما في قصائد الشعر الجاهلي والشعر الإسلامي .
هذا من حيث عدد الموضوعات . أما أنواعها ؛ فهناك المديح ، والهجاء ، والفخر ، والحماسة ، والوصف ، والرثاء ، والغزل ، والحنين ، والموضوع القومي ، والموضوع الاجتماعي …
وهذا يقودنا إلى السؤال عن قدم الموضوع وجدّته .
ب ـ تقسيم النص إلى أفكاره الرئيسة :
الأفكار هي أجزاء الموضوع الواحد ، أما المعاني فهي معاني الأبيات أو التراكيب أو العبارات . ولفهم النص وتذوقه بدقة ، لابد من تقسيمه إلى أفكاره الرئيسة ، وتحديد كل فكرة على حدة .
ج ـ مناقشة الأفكار والمعاني :
بملاحظة مدى وضوحها أو غموضها ، عمقها أو سطحيتها .
وهل هي مسايرة للتيارات الفكرية السائدة في عصرها أو لا ؟
وهل كانت متسلسلة تسلسلا منطقيًا ، ومستندة إلى البراهين العقلية ؟ أو هي عاطفية تحاول إثارة القارئ ، والتأثير على وجدانه ؟ ثم هل هي قديمة أو جديدة ؟
أما ترابطها فأنواع :
أ ـ ترابط بالتشابه أو بالتسلسل الأفقي : حين تكون الفكرة الواحدة مكررة على صور متعددة .
ب ـ ترابط بالتضاد : حين تكون الفكرة الأولى معاكسة للثانية بشكل ما .
ج ـ ترابط في بناء هرمي : أي أن تكون الأفكار متتابعة بشكل قصصي ، ( بداية وعقدة ونهاية ) .
أما المعاني الجزئية للتراكيب والأبيات ، فتدرس من حيث وضوحها وغموضها ، وعمقها وسطحيتها ، وقدمها وجدتها .
وتشمل دراسة :
أ ـ الألفاظ : من حيث وضوحها أو غموضها ، جزالتها أو ليونتها .
وهل هي مستمدة من بيئة الأديب أو أنها منقولة من بيئات أخر ؟
وهل هناك تآلف في حروفها أو تنافر ؟ وما الموسيقا المنبعثة من جرسها ؟
والاستشهاد ضروري على كل دعوى ، برهانـًا على صحتها .
ب ـ التراكيب : وننظر إليها من زاوية طولها وقصرها . ومدى ملاءمتها لنفسية الأديب .
وهل هي منسوجة على منوال الأساليب العربية الفصيحة قوة ومتانة وأسلوب تعبير ، أو أنها مخلخلة فيها ضعف البناء ، أو تقديم ما حقه التأخير ، وتأخير ما حقه التقديم ، بلا مسوغ فني ، بحيث يكون هناك تعقيد لفظي ، وتعقيد معنوي في آن واحد ؟
ثم .. هل ثمة تنافر في سبك الكلمات في جملها ؟ أم أن ثمة تناغمًا وتلاحمًا بينها ؟
ج ـ الخبر والإنشاء : ولتلوين الأسلوب بتلاوين الخبر والإنشاء أهميته البالغة في رصد انفعالات الأديب وإشاعة الحيوية والحركة في النص . بينما الاقتصار على لون واحد يورث الموضوع برودة المباشرة ، ويفقده الحرارة المثيرة . فماذا اختار الأديب ؟ هل اعتمد الأسلوب الإخباري ؟ أو الأسلوب الإنشائي ؟ ولماذا ؟
د ـ الصنعة الفنية البديعية : هل أكثر منها الأديب فأثقل نصّه بزخارف لفظية لاطائل تحتها ؟ وهل هي متكلفة ؟ أو أنها جاءت عفوية لا نحسُّ بثقلها ؟ وهل ساعدت في التكوين الموسيقي العام ؟
هـ ـ الموسيقا : وهي ما يصل إلى آذاننا من أصوات النص المنسجمة أو المتنافرة . ولها نوعان : داخلية ، وخارجية . أما الموسيقا الخارجية ، فندرس فيها الألفاظ من حيث الخشونة والرقة بحسب الحروف التي تتألف منها . كما ندرس التراكيب من حيث طولها وقصرها ، لأن القصر يلائم الخفة والطرب ، والطول يميل بالموسيقا إلى الهدوء والرزانة والموضوعات الجدية .
كما ندرس في التراكيب موسيقاها المنسابة أو المتقطعة الناشئة عن المعاظلة ( تنافر الحروف ) أو عن التقديم والتأخير في الكلام . ولكل من الموسيقا الخشنة أو الرقيقة ، والمنسابة أو المتقطعة مواضعها التي تصلح لها .
كما ندرس فيها حرف الروي الذي تقوم عليه القافية من حيث الرقة والخشونة ، لأن الخشونة مستكرهة في القافية .
كما ندرس البحر العروضي : فهناك البحور ذات التفعيلات المتشابهة ، والأخرى ذات التفعيلات المتنوعة ، الأولى ذات موسيقا رتيبة جدية ،والأخرى تصلح للطرب .
أما الموسيقا الداخلية فهي أشد خفاء ، لأنها تعتمد على مدى تناغم الموسيقا الخارجية مع حركة المعاني والعواطف .
دراسة الخيال :
ويراد به دراسة الصور الواردة في النص، وتشمل كلا من ( التشبيه والاستعارة والكناية ) بأنواعها .
ونحن ندرسها من حيث كثرتها وقلتها .
ومن أين استمدت ؟ وعلامَ يدل هذا الاستمداد ؟
وما مدى ملاءمتها للبيئة التي يحيا فيها الأديب ، والموضوع الذي يعالجه ؟
ثم هل تشكل لوحة فنية زاهية ؟ أو أنها مجرد صور مفردة رُصف بعضها إلى جانب بعض دونما تنسيق جيد ، ولا تشكيل صحيح لخيال محلق ، بحيث تضحي عبئـًا على النص ؟
هذا ولابد في دراسة أية صورة ، من :
أ ـ توضيحها .
ب ـ بيان نوعها .
ج ـ بيان عناصر الجمال فيها : ويبرز جمال الصورة في :
1 ـ تشبيه ماهو معنوي بما هو حسي .
2 ـ تشبيه ما هو حسي بما هو معنوي .
3 ـ وقد يبرز الجمال في تشبيه الحسي بالحسي .
4 ـ بث الحياة والحركة في الجماد .
دراسة العاطفة : وتشمل :
أ ـ بيان نوعها .
ب ـ مدى صدقها .
الحكم للنص أو عليه ( الخاتمة ) :
نختم دراستنا بتبيين رأينا الأخير في النص ، استنادًا إلى الدراسة النقدية السابقة . وينبغي أن يكون الحكم موجزًا مركزًا مكثفـًا لأهم ما انتهينا إليه من آراء تظهر شخصية الناقد المتميزة .