إني حريص على معلومات حكم أكل أو استعمال عظم الخنزير؟ لأننا نعيش في الهند, هنا عالم مشهور يقول إن لحم الخنزير فقط هو حرام , و لا بأس في أكل أو استعمال عظم الخنزير. لأن الله تعالى ما نهانا عن ذلك, إنما هو نهانا من أكل اللحم فقط. فنرجو منكم الصواب إن شاء الله .
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله. فقد ورد النهي الصريح في القرآن عن أكل الخنزير. قال تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ). وقال تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ). وورد في السنة الصحيحة تحريم ذلك ففي الصحيحين عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: (إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام). والنصوص مستفيضة على تحريم الخنزير. وقد أجمعت الأمة على تحريم أكل الخنزير واستعماله والانتفاع به.
ولا ريب أن حكم التحريم يتناول لحم الخنزير وجميع أجزاء الخنزير التي في حكم المتصل من شحم وطحال وكبد ومصران وعظم وجلد ودم وغيره للوجوه التالية:
أولا: قوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ). فالضمير في قوله فإنه رجس يعود لأقرب مذكور وهو الخنزير وقد نص على ذلك الماوردي وغيره لأن اللحم قد نص الله على تحريمه فلو كان الضمير يعود عليه لما كان في تأسيس الكلام فائدة وهذا يدل على أن الخنزير كله رجس يجب اجتنابه لا يخرج جزء من تحريمه لا عظم ولا غيره.
ثانيا:
أطلقت السنة تحريم البيع في الخنزير كله ولم تقيده باللحم دون غيره لأن أل الداخلة على خنزير من صيغ العموم فيشمل الحكم جميع أجزاء الخنزير.ثالثا:
ما ورد في صحيح مسلم من حديث بريدة قال قال رسول الله عليه وسلم: (من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه). فقد سوى النبي صلى الله عليه وسلم في حكم الغمس بين اللحم والدم وهذا يدل على عموم حكم التحريم لسائر أجزاء الخنزير.رابعا:
لو سلمنا أن لفظ اللحم يقتصر على الهبر فقط فإن القاعدة في دلالة الشرع بالاستقراء إذا نص على تحريم بعض الشيء كان الحكم مماثلا له في البعض الآخر لأن الشارع لا يفرق بين المتماثلات فيكون سائر أجزاء الخنزير محرما كاللحم إذا لا فرق بينها معتبر لتحقق وصف الخبث فيها جميعا.خامسا:
أجمع الأئمة على تحريم سائر أجزاء الخنزير ولم يفرقوا بينها في الحكم لأنهم فهموا النصوص على قواعد اللغة المعتبرة. قال الفخر الرازي: (أجمعت الأمة الإسلامية على أن الخنزير بجميع أجزائه محرم وإنما ذكر الله تعالى اللحم لأن معظم الانتفاع يتعلق به). وقال القرطبي: (أجمعت الأمة على تحريم شحم الخنزير). وحكاه الموفق والنووي وغيرهم. وقال ابن حزم: (لا يحل أكل شيء من الخنزير لا لحمه ولا شحمه ولا جلده ولا عصبه ولا غضروفه ولا حشوته ولا مخه ولا عظمه ولا رأسه ولا أطرافه ولا لبنه ولا شعره الذكر والأنثى الصغير والكبير سواء).سادسا:
أن من فرق بين أجزاء الخنزير فرخص في العظم يلزمه أن يخص التحريم باللحم الهبر فقط ويرخص في جميع أجزاءه من عظم وجلد وطحال وكبد وشحم وعصب ولية وغيره وليس عنده دليل صريح صحيح بإخراج هذه الأجزاء من التحريم. ولم يرد في الشرع ما يدل على ذلك والأصل دخولها في التحريم.سابعا:
أن ذكر لحم الخنزير في القرآن ليس قيدا له مفهوم وإنما خرج مخرج الغالب لأن الناس في الغالب يأتدمون ويأكلون باللحم لأنه المقصود أصالة وغيره تابع له فكان التنصيص عليه مناسبا وهذا أسلوب شرعي معروف له شواهد كثيرة في الكتاب والسنة. قال ابن الجوزي: (فأما لحم الخنزير فالمراد جملته وإنما خص اللحم لأنه معظم المقصود). قال ابن كثير: (والأظهر أن اللحم يعم جميع الأجزاء كما هو المفهوم من لغة العرب ومن العرف المطرد). وهكذا فهم الصحابة فمن بعدهم من أهل السليقة والفطرة السليمة.ثامنا:
أن القول بإباحة عظم الخنزير قول شاذ منكر لا يعرف ليس له سلف في الأمة وإنما تفرد به داود الظاهري وقوله هذا مهجور الأمة على ترك العمل به. ولا يجوز إحداث قول في أصول المحرمات المجمع عليها لمجرد الفهم العاري عن الضوابط والمفاهيم الشرعية المعتبرة.فعلى هذا من قال بإباحة عظم الخنزير فقوله غلط منكر مخالف للأدلة ومذاهب السلف المعتبرة. وهذا القول وأشباهه جار على أصول الظاهرية الذين يبنون الأحكام على ظواهر النصوص دون مراعاة المفاهيم والعلل والمآخذ والدلالات الشرعية التي أجمع كبار الفقهاء على اعتبارها والعمل بها.
وينبغي على الناظر في مسائل الفقه اتباع القواعد المرعية عند الفقهاء ومتابعة أقوالهم المحفوظة وعدم الخروج عن أصولهم في النظر والاستدلال والاختيار والترجيح ليسلم دينه وتبرأ ذمته ويكون موفقا في مذهبه ولا يلبس على الناس دينهم.
والله الهادي وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
[/frame]