بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)).
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)).
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)).
أما بعد فهذا الموضوع عن حكم المظاهرات و الخروخ علي الحكام في ضوء القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة أعرضه عليكم لأنه يجب علي المسلم النصيحة لإخوانه و إظهار الحق استنادا إلي كتاب الله و سنة رسوله وإجماع علماء المسلمين قاطبةً قال تعالي (و ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا) وقال:( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) و قال : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) و قال: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون)و قال:(يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم)
و الموضوع يتناول أولًا :الأدلة
ثانيًا: شبهات
ثالثًا:تحذير هام
أولًا الأدلة من القرآن الكريم:1(
{ وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }
من تفسير السعدي:أي وكما ولَّيْنَا الجن المردة وسلطناهم على إضلال أوليائهم من الإنس وعقدنا بينهم عقد الموالاة والموافقة، بسبب كسبهم وسعيهم بذلك.
كذلك من سنتنا أن نولي كل ظالم ظالما مثله، يؤزه إلى الشر ويحثه عليه، ويزهده في الخير وينفره عنه، وذلك من عقوبات الله العظيمة الشنيع أثرها، البليغ خطرها.
والذنب ذنب الظالم، فهو الذي أدخل الضرر على نفسه، وعلى نفسه جنى { وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ } ومن ذلك، أن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم،ومنْعهم الحقوق الواجبة، ولَّى عليهم ظلمة، يسومونهم سوء [ ص 274 ] العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين.
كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتهم، وجعلهم أئمة عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف.
من تفسير القرطبي: المعنى وكما فعلنا بهؤلاء مما وصفته لكم من استمتاع بعضهم ببعض أجعل بعض الظالمين أولياء بعض، ثم يتبرأ بعضهم من بعض غدا. ومعنى {نُوَلِّي} على هذا نجعل وليا. قال ابن زيد: نسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس. وعنه أيضا: نسلط بعض الظلمة على بعض فيهلكه ويذله. وهذا تهديد للظالم إن لم يمتنع من ظلمه سلط الله عليه ظالما آخر. ويدخل في الآية جميع من يظلم نفسه أو يظلم الرعية، أو التاجر يظلم الناس في تجارته أو السارق وغيرهم. وقال فضيل بن عياض: إذا رأيت ظالما ينتقم من ظالم فقف، وانظر فيه متعجبا. وقال ابن عباس: إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم، إذا سخط الله على قوم ولى أمرهم شرارهم. وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أعان ظالما سلطه الله عليه". وقيل: المعنى نكل بعضهم إلى بعض فيما يختارونه من الكفر، كما نكلهم غدا إلى رؤسائهم الذين لا يقدرون على تخليصهم من العذاب أي كما نفعل بهم ذلك في الآخرة كذلك نفعل بهم في الدنيا.
2) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِمنكم))
من تفسير السعدي رحمه الله:((أمر بطاعته وطاعة رسوله وذلك بامتثال أمرهما، الواجب والمستحب، واجتناب نهيهما. وأمر بطاعة أولي الأمر وهم: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله ورغبة فيما عنده، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في [ ص 184 ] معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم أن لا يكون معصية.
ثم أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله وإلى رسوله أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما أو عمومهما؛ أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى يقاس عليه ما أشبهه، لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما.
فالرد إليهما شرط في الإيمان فلهذا قال: { إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت، كما ذكر في الآية بعدها { ذَلِكَ } أي: الرد إلى الله ورسوله { خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا } فإن حكم الله ورسوله أحسن الأحكام وأعدلها وأصلحها للناس في أمر دينهم ودنياهم وعاقبتهم.))
ثانيًا:الأدلة من السنة النبوية الصحيحة:
1) وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبيِّ صلي الله عليه وسلم ، قَالَ : (( عَلَى المَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ والطَّاعَةُ فِيمَا أحَبَّ وكَرِهَ ، إِلاَّ أنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيةٍ ، فَإذَا أُمِرَ بِمَعْصِيةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ )) متفقٌ عَلَيْهِ . – أخرجه : البخاري 9/78 ( 7144 ) ، ومسلم 6/15 ( 1839 ) ( 38 ) .
2) و عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رسولَ الله صلي الله عليه وسلم عَلَى السَّمعِ والطَّاعَةِ ، يَقُولُ لَنَا : (( فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ . أخرجه : البخاري 9/96 ( 7202 ) ، ومسلم 6/29 ( 1867 ) ( 90 ) .
.
3) عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله صلي الله عليه وسلم ، يقول : (( مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )).
وفي رواية لَهُ : (( وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مُفَارِقٌ لِلجَمَاعَةِ ، فَإنَّهُ يَمُوتُ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )) .
(( المِيتَةُ )) بكسر الميم .
أخرجه : مسلم 6/22 ( 1851 ) ( 58 ) عن ابن عمر . والرواية الثانية 6/20 ( 1848 ) ( 53 ) عن أبي هريرة .
4) وعن أنسٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله صلي الله عليه وسلم : (( اسْمَعُوا وأطِيعُوا ، وَإنِ استُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشيٌّ ، كأنَّ رأْسَهُ زَبيبةٌ )) أخرجه : البخاري 9/78 ( 7142 )
5) وعن أَبي هريرة رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( عَلَيْكَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ في عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ ، وَأثَرَةٍ عَلَيْكَ )) أخرجه : مسلم 6/14 ( 1836 ) ( 35 )
.
6) وعن عبدِ اللهِ بن عمرو رضي الله عنهما ، قَالَ : كنا مَعَ رسول الله صلي الله عليه وسلم في سَفَرٍ ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً ، فَمِنَّا مَنْ يُصْلِحُ خِبَاءهُ ، وَمِنّا مَنْ يَنْتَضِلُ ، وَمِنَّا مَنْ هُوَ في جَشَرِهِ ، إذْ نَادَى مُنَادِي رسولِ الله صلي الله عليه وسلم : الصَّلاةَ جَامِعَةً. فَاجْتَمَعْنَا إِلَى رسولِ الله صلي الله عليه وسلم ، فَقَالَ : (( إنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقّاً عَلَيْهِ أنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَيُنْذِرَهُم شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ . وَإنَّ أُمَّتَكُمْ هذِهِ جُعِلَ عَافِيَتُهَا في أوَّلِهَا ، وَسَيُصيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ، وَتَجِيءُ فِتنَةٌ يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضاً ، وَتَجِيءُ الفتنَةُ فَيقُولُ المُؤْمِنُ : هذه مُهلكتي ، ثُمَّ تنكشفُ ، وتجيء الفتنةُ فيقولُ المؤمنُ : هذِهِ هذِهِ . فَمَنْ أحَبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، ويُدْخَلَ الجَنَّةَ، فَلْتَأتِهِ منيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنَ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ ، وَلْيَأتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أنْ يُؤتَى إِلَيْهِ. وَمَنْ بَايَعَ إمَاماً فَأعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ ، فَلْيُطِعْهُ إن استَطَاعَ ، فإنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنْقَ الآخَرِ )) أخرجه : مسلم 6/18 ( 1844 ) ( 46 )
قَوْله : (( يَنْتَضِلُ )) أيْ : يُسَابِقُ بالرَّمْي بالنَّبل والنُّشَّاب . وَ(( الجَشَرُ )) : بفتح الجيم والشين المعجمة وبالراء ، وهي : الدَّوابُّ الَّتي تَرْعَى وَتَبِيتُ مَكَانَهَا . وَقَوْلُه : (( يُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضاً )) أيْ : يُصَيِّرُ بَعْضُهَا بَعْضَاً رقيقاً : أيْ خَفِيفاً لِعِظَمِ مَا بَعْدَهُ ، فالثَّانِي يُرَقّقُ الأَوَّلَ . وقيل مَعنَاهُ يُشَوِّقُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ بتحسينهَا وَتَسويلِهَا ، وقيل : يُشبِهُ بَعْضُها بَعضاً .
7) وعن أَبي هُنَيْدَةَ وَائِلِ بن حُجرٍ رضي الله عنه ، قَالَ : سَألَ سَلَمَةُ بن يَزيدَ الجُعفِيُّ رسولَ الله صلي الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ الله ، أرأيتَ إنْ قامَت عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسألُونَا حَقَّهُم ، وَيمْنَعُونَا حَقَّنَا ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَأعْرَضَ عنه ، ثُمَّ سَألَهُ ، فَقَالَ رسولُ الله صلي الله عليه وسلم : (( اسْمَعْوا وَأَطِيعُوا ، فإنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا ، وَعَلَيْكُمْ مَا حملْتُمْ )) أخرجه : مسلم 6/19 ( 1846 ) ( 49)
8) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله صلي الله عليه وسلم : (( إنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ! )) قالوا : يَا رسول الله ، كَيْفَ تَأمُرُ مَنْ أدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ ؟ قَالَ : (( تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ )) أخرجه : البخاري 4/241 ( 3603 ) ، ومسلم 6/71 ( 1843 ) .
(( وَالأَثَرَةُ )) : الانْفِرادُ بالشَّيءِ عَمنَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ
أي أنه يستولي على المسلمين ولاة يستأثرون بأموال المسلمين يصرفونها كما شاءوا ويمنعون المسلمين حقهم فيها . والواجب على المسلمين في ذلك السمع والطاعة وعدم الإثارة وعدم التشويش عليهم واسألوا الحق الذي لكم من الله. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/127