عقيدتُنا مهددة من الداخل (1)
المقدمة
الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة وكتب على
نفسه الرحمة، وضَمَّن الكتاب الذي كتبه أن رحمته تسبق غضبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
أيها الإخوة والأخوات، من المعلوم أن الإسلام كَدِين شامل كامل ارتضاه الله تبارك وتعالى لسائر البشرية إلى يوم القيامة يقوم على إصلاح ثلاثة محاور:
المحور الأول: إصلاح العقيدة
والمحور الثاني: إصلاح العبادة
والمحور الثالث: إصلاح المعاملات
وهذا ما شَخَّصه تشخيصا دقيقا جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنه حينما أراد أن يبين حقيقة الإسلام ومساوئ الجاهلية للنجاشي فقال له:
«أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار يأكل القوي منا الضعيف»
فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه «فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان» وهذا ما يتعلق بإصلاح العقائد.
«وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة» وهذا ما يتعلق بإصلاح المعاملات.
«وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئا وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام» وهذا ما يتعلق بإصلاح العبادات.
والمتأمل يرى أنه ما من نص من نصوص الإسلام ولا أمر من أوامره ولا نهي إلا ويهدف إلى إصلاح وتقويم واحد من هذه الثلاثة التي بعث النبي صلى الله عليه وسلم والناس منها في جاهلية جهلاء.
ومما لا يخفى أن العقيدةَ وإصلاحَها تُعَدّ أهم جوانب هذه المنظومة المتكاملة؛ وذلك لكونها الفارقة بين الإسلام والكفر، وبين الإيمان والنفاق، وهي أيضا المحرك الرئيس والموجه الأول لإصلاح العبادات والمعاملات.
لذا كان من الواجب المتحتم على الأمة عموما، وعلى حملة الدعوة وأبناءها خصوصا، أن يعتنوا بالعقيدة الإسلامية اعتناء خاصا تعلما وتعليما وتطبيقا؛ فإن اندراس معالم العقيدة يعني: «ضياع هوية الأمة وذوبانها في غيرها من الأمم الكافرة» وهذا ما يريده لنا أعداؤنا منذ بعث الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ﴿ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء﴾ ﴿وودوا لو تكفرون﴾.
لكن أعداءنا علموا وبعد محاولات كثيرة، ومجهودات مضنية، أن المسلم الحق لا يمكن أبدا أن يتحول من الإيمان إلى الكفر، وأنه لا يبغي بالإسلام بديلا، فراحوا يبتكرون الحيل، ويضعون الخطط التي تفسد على الأمة عقيدتها، فلبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، ثم ابتكروا منظومة من المصطلحات التي تعارض من كل وجه عقيدة الإسلام وتهدم أركانه.
فالإرهاب مثلا، مصطلح لا يتنزل في واقع الغرب إلا على الجهاد الإسلامي، وهذا يفسر لنا ما نراه من قمع لكل جهاد إسلامي، مع دعم لكل حركة إرهابية كافرة -وأحداث السودان الأخيرة خير دليل على ذلك- مما يعني أن الإرهاب عند هؤلاء إنما هو مصطلح لا ينطبق إلا على الجهاد.
ولكن الجهاد من الشرائع الإسلامية الماضية إلى يوم القيامة وهو ثابت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثبوتا يقتضي كفر منكره، وهم يعلمون ذلك جيدا، فلا سبيل إذا إلى محاربة عقيدة الجهاد الإسلامي والذي يعد ذروة سنام الإسلام، وتقبيحه في نفوس المسلمين إلا بتغيير اسمه إلى «الإرهاب».
وهذا ما فعلوه في كثير من العقائد الإسلامية الراسخة، ابتكروا لها أسماء تقبحها إلى المسلمين، كما ابتكروا لأضدادها أسماء حسنة تحببها إلى المسلمين؛ فجعلوا الجهاد «إرهابا»، وجعلوا التخاذل والقعود عن نصرة قضايا المسلمين «سلاما»، ثم نادوا في العالمين:
أتحبون الإرهاب؟ فكانت الإجابة بالطبع: لا. أتكرهون السلام؟ فكانت الإجابة بالطبع: كيف نكرهه وهو دعوة الإسلام!
فقالوا: «نحن نحارب الإرهاب وندعوكم إلى السلام»
فانطلى ذلك على المسلمين فقبلوه، ولو فهم المسلمون لغة الخطاب لعلموا أن العبارة السليمة هي:
«نحن نحارب الجهاد وندعوكم إلى الاستسلام»
لكنهم لو فهموها ما قبلوها، فعمد كفرة أهل الكتابين إلى تحريف الألفاظ لتدل على غير معناها، وهم محترفون في ذلك؛ إذ حرفوا كلام رب العالمين، فانطلى ذلك على كثير من المسلمين كما سبق.
وما قلناه في مفهوم الإرهاب ينطبق أيضا على كثير من المفاهيم المعارضة لعقيدة الإسلام التي قَبِلَها المسلمون جهلا منهم بحقيقة أمرها كالقومية العربية، والمواطنة، والعولمة، وغير ذلك من المفاهيم التي تلتصق التصاقا وثيقا بالعقيدة الإسلامية وهدمها، ومع ذلك تنطلي على كثير من المسلمين وينادون بها، وهذا ما لم يكن يحلم به أعداؤنا «أن نهدم عقيدتنا بأيدينا»
وللأسف الشديد فقد صارت هذه المفاهيم التي تعارض العقيدة الإسلامية معارضة تامة من الأمور الراسخة عند كثير من المسلمين، جهلا منهم بما يحيكه لهم أعداؤهم، وهذا واقع لا ينكره إلا جاحد أو مكابر.
فالتبعة ثقيلة، والمهمة خطيرة، والواجب أن يهب أبناء الدعوة لمسايرة الأحداث، وفهم الواقع، وإصلاح الخلل؛ وإلا فالعاقبة وخيمة.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى، جعلنا الله جميعا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه،
اللهم آمين.