وكل هذه الأعمال يستطيع المؤمن أن ينال بها رضاء الواحد المتعال إذا سبقها بنية صادقة صالحة فى هذا العمل يبتغى بها رضاء الله ، ثم يتممها على نهج الحبيب ، نية ثم اقتداء بخير البرية ، بهذا ينال العبد الأمنية ، وقد قال الله عز وجل له قل لهم: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{162} لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {163} الأنعام
فحياته كلها لله ، بل موته كله لله ، كلمة الموت تعنى النوم ، لأنه إذا نام فإنما يستعين بالنوم على القيام لطاعة من لا تأخذه سِنة ولا نوم ، فيكون نومه أيضاً لله لأنه ينام رغبة فى القيام بعد ذلك بنشاط فى طاعة الله ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: {إنَّ عَيْنَيَّ تَنامانِ وَقَلْبي لا يَنامُ}{1}
إذا كان العمل لله لا يستطيع أجره ولا نوره ولا ثوابه غير الله عز وجل ، حتى الملائكة المقربين لا اطلاع لهم على ذلك ، والدليل أن الإنسان عندما يصوم ولا يعلم حقيقة الصيام إلا الله الذى لا تخفى عليه خافية ، يقول فيه الله: {كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ ، إِلاَّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِى ، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ}{2}
أى أنا الذى أضع جزاءه وثوابه لأنه لا يستطيع وضع ذلك الثواب غيرى ، حتى الملائكة لا يعرفون ذلك ، أو إن شئت قلت أن معنى {وَأَنَا أَجْزِى بِهِ} أنا ورؤية وجهى ومشاهدة جمالى وجلالى وكمالى هو جزاء الصائمين ، وهذا فى قوله صلى الله عليه وسلم: {لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ}{3}
فهذا أجر لا يستطيع أحد نعته ولا وصفه لأنها خصوصية من الله لصاحب هذا المقام ، وكل أعمال المُخلِصين والمُخلَصين يقول فيها الحَبيب صلى الله عليه وسلم على لسان رب العزة فى حديثه القدسى: {الإخلاص سر من أسرارى أستودعه قلب من أحب من عبادى ، لا يطلع عليه شيطان فيفسده ولا ملك فيكتبه}{4}
لأن المَلك لا اطلاع له على القلوب وإنما يرى الأعمال ويسجلها كما يراها فى الظاهر، أما الباطن فلا يعلمه إلا من يقول للشئ كن فيكون:{فَمَنْ كانتْ هِجْرَتُه إِلى دُنْيَا يُصِيبُها، أَوْ إِلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُها – أو ما شابه ذلك من الأمور الدنيوية – فَهِجْرَتُه إِلى ما هاجَرَ إِلَيه}
{1} مسند الإمام أحمد عن السيدة عائشة رضى الله عنهما
{2} صحيح البخارى عن أبى هريرة رضى الله عنهما
{3} الصحيحين البخارى ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنهم
{4} الغزالي في " الإحياء " ( 4 / 322 )