كانت المرأة في الجاهلية مهضومة الحقوق ، كسيرة
الجناح ، لا تنجو من الوأد وهي صغيرة حتى تقع فريسة لاضطهاد
الأب الذي ينظر إليها وكأنها العار بذاته ، وإذا زفت لزوجها
فالمعاملة لا تخلو من استهجان وقسوة ، ثم تأتيها الفاجعة ، وهي
حين يموت زوجها أو أبيها فهي كالمتاع لا ترث من مال أبيها ،
ولا من مال زوجها شيئا"، بل والأعجب من ذلك أنها هي بذاتها
متاعا" يورث ، والسؤال الذي يتبادر للأذهان :
ماذا فعل الإسلام للمرأة في هذه الحالة ؟
وهذا ما سنراه عندما سنتحدث عن ( أم كـجــة
الأنصارية ) ، التي لم يرضى لها الإسلام أن تذل أو تهضم حقوقها
، فكرمها بنتا" و كرمها زوجة" وكرمها أما" ،
أم كــجـــة الأنصارية سيدة من نساء الأنصار المسلمات
، عاشت فرأت سماحة الإسلام وتشريعه الحنيف ، أنتصر لها
التشريع الإسلامي في أقدس دستور ، حين أنزل الله تعالى
قرآنا" يتلى ، يبين الحقوق ، ويضع الميزان القسط الحق
العدل ، تزوجت هذه الصحابية من الصحابي الجليل ( أوس بن
ثابت الأنصاري )وهو ممن شهد العقبة الثانية ، ولقد كان ميسور
الحال ، أتاه الله من المال والمتاع الشئ الكثير ، فعاش وزوجته
أم كــجـــة الأنصارية إلى أن كان يوم أحد ، فخرج أوس مودعا"
زوجته كماودعها يوم بدر قبل عام ، وقبّل أبنتيه الصغيرتين
ومضى مع الركب مضى إلى ساحات الوغى مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وقد رفع سيفا" من سيوف الحق يجاهد فيه لإعلاء
كلمة الله ورد هؤلاء المشركين ، وإذا بأوس يسقي بدمه أرض أحد
، وتصعد روحه الطاهرة إلى الجنان يحمل شهادة ووثيقة تؤيده ،
أما الشهادة فروحه التي بذلها في سبيل الله ، وأما الوثيقة فهي
وثيقة بدر الكبرى وثيقة المغفرة لأهل بدر : ( اعملوا ما شئتم فإن
الله قد غفر لكم )
وبقيت أم كــجـــة المؤمنة تعانق ابنتيها ، وهي تبكي وتبثهما
دمعا" وحبا" وفخرا" بأبٍ مات شهيدا" في قتال المشركين
، مصاب أم كــجـــة بزوجها كان أليما" لكنها فرحت له بالجنة ،
وحملت على عاتقها تربية ابنتي الشهيد ،
لكن أم كــجـــة فوجئت بالظلم يدق بابها وبالجور يقتحم بيتها ،
فقد دخل عليها ( سويدٌ وعرفجة ) ابنا عم زوجها أوس بن ثابت ،
واحتملا مال الشهيد ومتاعه ومضيا به إلى مالهما ومتاعهما وتركا
الأم وإبنتيها دون مال أو متاع ، هكذا كانت الجاهلية وهكذا
الجاهليون ،
لكن أم كــجـــة الصحابية الجليلة عرفت سماحة الإسلام وإنه
العدل الحق ، ورحمة الله التي وسعت كل شئ وانه لا يرضى
بالظلم لعباده ، فمضت
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاملة إليه شكواها وظلامتها
وهي متيقنة أن الله ورسوله سينصفانها ،
فدخلت على رسول الله وقالت : " يا رسول الله إن لي بنتين
يتيمتين ، قد مات أبوهما في أحدٍ ، وليس لهما شئٌ ، وقد ترك لهن
أبوهن مالا" حسنا"، وهوعند ابني عمه سويدٌ وعرفجةٌ لم
يعطياهما منه شيئا" ، وهن في حجري لا يطعمن ولا يسقين "
فدعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه : " فقالا ، يا رسول
الله : " ولدُها لا يركبُ فرسا" ولا يحملُ كلاً ، ولا ينكي عدوا" ،
" أي أنها أنجبت بنات لا يستطيعون عمل شئ " نكسب عليها ولا
تكسب "
فنزل قوله تعالى وهو الذي يحكم بالعدل ويعيد الحق لأصحابه :
*{ للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما
ترك الوالدان والأقربون }*
لقد قسم الله تعالى الميراث ، و أعطى أم كــجـــة الثمن من
ميراث زوجها
ولابنتيها ثلثا ما ترك والدهما الشهيد وما تبقى يأخذه ابنا
عم زوجها سويد وعرفجة "
وهكذا انتصف القرآن الكريم للأم و أبنتيها ، بل للنساء جميعهن
، فأصبحت المرأة
ترث مثل الرجل ، لقد مضت الجاهلية ، ومضى ظلم الرجل
للمرأة .
سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب إليك