الشيخ محمد بن التجاني المدنيني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخطبة [ ] الأولى:
الحمد لله، يحذر من الغفلة [ ] والنسيان، ويدعو إلى التفكر ويجعله برهان الإيمان،﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾(2 الأنفال). أحمده على تمكين الإنسان من تحسين حاله، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، حث على التمسك بالدين والتشبث بأذياله، وحذر من الانحراف والوقوع في أوحاله، والانغماس في حماه ووباله، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله،قاوم الطغيان وتمكن من قطع أوصاله، والانتصار للحق، وإزهاق الباطل واستئصاله ﴿قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ ۚ﴾(170:النساء). صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه المقتبسين من أنوار شمائله وخلاله ﴿فَأُوْلَـَئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾( 37: سبأ)
أما بعــــد: فيا أيّها المؤمنون الكرام، يقول الحقّ تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيَ أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾ طـه:123-126
فما المقصود بالمعيشة الضنك؟ وما هي صنوفها التي يشهدها المعرضون عن ذكر الله؟ وماذا ينتظرهم يوم يقوم النّاس لربّ العالمين؟ وكيف للبشرية أن تحقق طمأنينتها في عالم لا طمأنينة فيه؟
أيّها المؤمنون الكرام،إنّ من خالف أمرَ الله، وما أنزله على رسوله ﷺ، وأعرض عنه، وتناساه وأخذ من غيرهِ هُدَاه، فلا طمأنينة له مدّةَ حياته، ولا انشراحَ لصدره، بل يكون صدره ضيقا حرجا لضلاله، وإن تنعم ظاهرُه، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين [ ] والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾..
ولن نجد كلمة جامعة، واصفة لحالة بعض الجماعات البشرية، وكثير من الناس اليوم كالآية التي يقول فيها عز وجل: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ 19: الحشر
أيّها المؤمنون الكرام،لقد حاول جماعة من الناس في المجتمعات الغربية وفي بعض مجتمعاتنا الإسلامية أن يقطعوا صلتهم بالله فأقبلوا على الحياة بنَهَمٍ ، وأخذوا من لذائذها، وكانوا بتصرفاتهم هذه أشدَّ شقاء وأكثر عذابا،كانت اللذة والمتعة سببا لخراب أجسامهم، وانتياب العلل والأسقام، وكانت اللذة سببا في فقدانهم التوازن الروحي الباطني، وكانت اللذة محطمة للذة.
ودعا فريق آخر إلى الأخذ بكشوفات العلم [ ] والتقنية ليكونوا مستهلكين، ينفقون ويبذر ون ما تحصّل عندهم، وما قُدّر لهم أن يتحصلوا عليه. وأصبح الإنسان عبر الإغراء في دوامة تَتَبُّعِ الجديد مثقلا بالديون، يلهث ليلا نهارا ويطمع أن يكسب الراحة، ولن يكسبها .
وحاولت جماعات أن تتنصل من واقعها، واتخذ الفرار من الواقع أشكالا تختلف في المظهر، وتتّحد في التعبير عن الجحيم. قسم أقبل على المخدّرات وفرّ آخرون إلى وسائل اللهو والعبث، وتوجه آخرون إلى أوكار الرذيلة… وهذا كقوله تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾
صور متعددة لنسيان الإنسان لواقعه وفراره منه، ولم يمسك بخيط النجاة فترى فيه مظاهر الحزن الدائم، والكآبة المستمرة، وضيق الصدر، والضيق بالناس، وبالنفس، وبالحياة، والسخط، والغضب، والانقباض، والتشاؤم، وما إلى ذلك من عوامل اليأس والقنوط… الّتي عبّر عنها المولى عزّ وجلّ بالمعيشة الضنك. فكيف هو حاله يوم يقوم الناس لربّ العالمين؟
لمتابعة القراءة اضغط على الصورة في بداية المقال