لنتخيـل معاً المخاطر التي قد تحدق بالبشرية من جراء عملية الاستنساخ البشري الجاري حالياً العمل عليه ، ونعتبره قد أصبح حقيقة علمية وعملية ناضجة ومتاحة وبدأت تنتشر في العالم كي تحل بشكل واسع محل البشرية التي جاءت الى الدنيا بطريقة التكاثر الطبيعي التي نعرفها جميعا ، والتي ميزها الخالق بعدم التماثل ، هذا التعمق في التفكير في المسألة له ما يبرره إزاء تباهي شرائح عريضة من العلماء في قدرة العلم والتكنولوجيا اليوم على تحقيق المستحيل في مجال الاستنساخ ، مع علمنا المؤكد أن أحسن الصنع هو صنع الله وان أحسن الخلق هو الإنسان الذي كرمه الله وخلقه على هيئته ووهبه العقل دون غيره من المخلوقات ، ومع علمنا أيضاً أن الحياة ومجرياتها لن تكون أفضل إذا تغيرت هيئتها على ما أراده الله عز وجل لها .
ومن هنا يمكن أن تطرح الأسئلة التاليــة : ــ
1 ـــما هو الأداء الإجتماعي الذي سيمتاز به أفراد متماثلون في سماتهم ويشكلون مجتمعا متجانسا على الصعيد الجسدي بملامح متشابهة .
2 ــ هل يمكن اعتبار التقدم التقني الحالي في مجال الاستنساخ هو من التقدم النوعي المطلوب نتيجة آثاره الايجابية على الوضع الصحي للبشرية .
3 ــ ما الذي يجعلنا نتخوف من نجاح تجارب الاستنساخ البشري
4 ــ كيف يمكن ان يكون عليه الحال البشري في حال نجاح العلماء من خلق مجتمعات متفوقة وراثيا وجينيا على المجتمعات الحالية ؟
5 ـ هل التفوق المقصود هو التفوق الجسدي فقط أم خلق تمايزا ذهني وعقلي أيضا ؟
هذه الاسئلة وغيرها الكثير ، مطروحة للإجابة ، وذلك من أجل التخفيف من الفزع الذي يتزامن ويتطور مع انتشار نتائج البحوث العلمية في مجال الاستنساخ بكافة انواعه ، ذلك الخوف الذي يجر البعض إلى التفكير بأن البشرية لن تقوم لها قائمة تحت هذه الانجازات العلمية ، وان الفوضى بل ونهاية البشرية قد بدأت تظهر .
وذلك لإعتقادهم بأن التماثل الجسدي المحتمل الناتج عن هندسة الاستنساخ الجيني يخلق اشكالات عديدة منها :
1 ــ الإلغاء النهائي للخصوصية الفردية التي حباها الله للإنسان رغم العدد الهائل لبني البشر منذ بداية الخلق ومن بعض مساوي هذا الإلغاء ما يلي : ــــ
ــ إن إلغاء الخصوصية مثلاً للبصمة ، عند الأفراد يعني اختفاء احد الإدلة الحاسمة التي يستخدمها الطب الجنائي في تحديد البصمات الخاصة للقاتل او الجاني عند وقوع حدث الجريمة.
ــ التماثل التام المحتمل لبصمات الافراد في المجتمع المستنسخ تعني فوضى قانونية واخلاقية محتملة بحيث يصبح الافراد جميعا متهمين لتوفرهم على نفس البصمة التي توجد لدى القاتل او يصبح السارق بريئا من تهمة السرقة لضياع دليل البصمة.
2 ــ أنها تلغي الفروقات الفردية والتباين في الملامح الشخصية ولون العيون نتيجة غياب التمييز بين الافراد بعضهم عن بعض ومن مساوي هذا الالغاء ما يلي : ـــ
ـــ ان ما يعرف "بالهوية الشخصية" للأفراد تصبح مستحيلة لعدم وجود علامات التفرقة .
ــ ان باب انتحال الشخصية يصبح أمر طبيعي لا يمكن السيطرة عليه .
ــ في غياب الخصوصية الفردية سيصبح لا مجال لبناء العلاقات الاجتماعية التي يكون أساسها المعرفة الشخصية أو عقود الزواج أو رابطة الدم
ــ تؤدي إلى اختفاء مؤسسة البيت التي هي اللبنة الأساس في تكوين المجتمع.
مثلاً هل يستطيع الزوج أن يتعرف على زوجته من بين الألاف المؤلفة من النساء الشبيهات؟ وهل يكون في مقدور المرأة الزوجة تبيان حقيقة علاقتها الزوجية من احد المستنسخين الذين يتشابهون مع زوجها في كل شئ ؟ وهكذا
3 ــ الاستنساخ المحتمل الذي نتحدث عنه سيعيدنا الى عصر الهمجية القانونية والاباحية الجنسية الذي كان سائد قبل ان يهتدي الانسان القديم الى المثل الاخلاقية والقيم الاجتماعية التي اسهمت في خلق مجتمعات متزنة وافراد يتحلون بالمسؤولية الاجتماعية
4 ــ سيؤدي الاستنساخ إلى تجرد الإنسان المستنسخ من انجازاته الوطنية التي ناضل من اجلها قرونا عديدة
5 ــ يلغي الاستنساخ الخصوصية الوطنية او الدينية او الاخلاقية التي شكلت على مدار قرون هوية عادلة للشعوب واهلتهم للمشاركة في بناء صرح الانسانية المتجدد
6 ــ اندثار حضارة العالم القديم واستبدالها بحضارة اخرى لا يملك الانسان الطبيعي مفاتيح الاندماج فيها، ولا حتى المشاركة بها على اعتبار انه صاحب مظهر غير حضاري وعقلية رجعية لا سبيل الى تحديثها الا من خلال الغائها وشطبها نهائيا حتى يسود الانسان المستنسخ
7 ــ الاستنساخ الذهني او العقلي يبقى الطامة الكبرى التي قد يبتلى بها الانسان التقليدي في القرن الحادي والعشرين. ولنا ان نتصور انه بعد نجاح علماء الهندسة الجينية في استنساخ الانسان المتماثل ظاهريا قد تكون هناك قفزة نوعية اخرى في مجال استنساخ "المجتمع العبقري" او "المجتمع المعرفي الصرف"
8 ــ لا يستطيع فهم خصوصية الهوية ولا اصالة الانتماء ولا حتى رابطة الابوة او الاخوة او البنوة الا بمعناها التقني الاستنساخي العام