النفس المطمئنة دائما تذكر الله
لا يشغلها عن ذكره شاغل سواء كان ولدا أو زوجة أو مالا فهي مع الله تحيا بحبه وتطمئن بذكره وتتمنى لقاءه وفي ذلك قال تعالى(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) سورة الرعد28 وهي لا تغفل عن ذكر الله أبدا ولذلك لا تفعل شيئا يغضبه و يذكر صاحبها الله سبحانه على كل أحواله كما في قوله تعالى (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) آل عمران 191 وكذلك في كل أوقاته في السر والعلن كما في قوله تعالى ( واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين )إذن يكون الإنسان على كل أحواله ذاكرا لله عز وجل فذكر الله نبراسا ينير له قلبه ويهديه إلى الطريق المستقيم لا يضل عنه ولا يزيغ أبدا
لذلك ذكر الله حياة القلوب ونورها كقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) الأنفال 24
وذكر الله أساس كل عمل صالح ولك أن تتخيل رجلا يذكر الله على كل أحواله وحركاته أيفعل شيئا يغضبه؟ وهل الذي يحمد الله بقوله الحمد لله يطمع في شيءلم يكتبه الله له أو يتمنى ما في يد الآخرين وليس له فيه حق ؟ وهل الذي ملأ قلبه بذكر الله يجد الحقد في قلبه مكانا؟ وهل الذي ملأ قلبه بحب الله ورسوله تجد في قلبه بغضا لأحد؟
فكر قليلا وسوف تجد الإجابة إن شاء الله هدانا الله وإياك إلى ما يحب ويرضى
سلامة الصدر
و النفس المطمئنة صاحبها من أشد المقربين إلى الله تعالى وتجد إيمانه من أعلى درجات الإيمان وهم الأنبياء والصديقون وإذا تفكرت في سير الأنبياء تجد أن الله زكي أنفسهم أولا ثم بعثهم بالرسالة بعد ذلك فغسل الله قلوب أنبيائه بالحكمة والإيمان وذلك حتى يستقبلوا النور الإلهي بنفس مطمئنة لا تزيغ ولا تضطرب ونرع الله من قلوبهم الغل والحسد والحقد وكل سواد من شأنه أن يعمي القلوب ويزيغ الأبصار فهذا سيدنا موسى عليه السلام يدعو الله قائلا ( رب اشرح لي صدري ) طه 25 وهذا خير البرية صلى الله عليه وسلم عندما أراده الله سبحانه وتعالى أن يستقبل النور الإلهي شرح صدره مرتين الأولى في سن الخامسة -وهو ما اتفق عليه أئمة أهل السير – من حديث أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً فَقَالَ هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ لَأَمَهُ وَأَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ رواه أحمد ومسلم وصححه الألباني
والثانية : قبل القيام برحلة الإسراء والمعراج من حديث أبي ذر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَعَرَجَ بِي صحيح رواه البخاري كتاب الصلاه336
وهنا نلاحظ أن القلب إن لم يُملأ بحب الله والإيمان به مُليء بوسوسة الشيطان وهوى النفس ولذلك كان من دعاء النبي (ص) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رسول الله أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِه) رواهِ الترمذي وقال حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وصححه الألباني 4402وعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَشَهَّدَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مِنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ ابوداودكتاب الصلاه وصححه الألباني
فالرسول (ص) وهو رسول الله الذي خاطبه ربه قائلا( ألم نشرح لك صدرك ) يدعو ربه بهذه الأدعية وهو ذو النفس المطمئنة والقلب السليم والروح الطاهرة والخلق القويم فكيف بنا نحن ؟
وقد كان صلى الله عليه وسلم يمنع أصحابه أن يبلغوه عن أحد شيئا فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ ابوداود كتاب الأدب وضعفه الألباني
3 – القناعة
كان من دعاء النبي r فيما رواه الحافظ ابن عساكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "قل اللهم إني أسألك نفساً بك مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك" ورواه الطبراني في الكبير تحقيق الألباني ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 4099 في ضعيف الجامع .
وهنا قد وضح لنا المعصوم ما يجب أن تتصف به النفس المطمئنة من الإيمان بالله و القناعة والرضا بالقضاء قال ذو النون : من وثق بالمقادير لم يغتم وقال من عرف الله رضي بالله وسُر بما قضى الله
والقناعة رضا العبد بما قسمه ربه له من المال والزوجة والأولاد وهي قناعة بالموجود وترك الحزن على المفقود والقناعة أيضا أن تحمد الله على كل أحوالك وتشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى ويتحقق الحمد والشكر بالقناعة وتقوى الله تعالى فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ ابن ماجه وصححه الألباني 4580
وقد أوجز من أوتي جوامع الكلم في تعريف القناعة في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا رواه ابن ماجه وحسنه الألباني 6042
وهي أيضا أن ترضى برزق الله ولا تقيس كل شيء بالمال فإن الغنى غنى النفس و كما قال رسول الله r لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ ابن ماجه وصححه الألباني 5377
ولماذا لا نقنع ؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكم بالقناعة ، فإن القناعة مال لا ينفد الطبراني في الأوسط ووضعه الألباني 3775في الضعيفة
ولماذا لا نقنع ؟ ما كنا على يقين أن الله يرزق من يشاء كيفما يشاء بما فيه مصلحة العباد وأن ما من دابة في الأرض إلى على الله رزقها كما في قوله تعالى " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " هود :6 فهي الرضا والتعفف وترك المسألة فقد قال الشاعر
صان وجهي عن السؤال بحمد الله أني أرى القناعة مالي
واعلموا أن القناعة عز الفقير والمسكين وهي رأس مال كل متعفف صان نفسه عن مسألة الآخرين
* ولكن في أي شيء يجوز ألا نقنع ؟
المؤمن الحق هو أن يقنع برزق الله تعالى ولكنه لا يقنع من استكثار فعل الخير وتحصيل علوم الدين ولكننا الآن و قد أكلتنا الدنيا وجعلتنا ندور في رحاها أصبح كل همنا هو كيف نجمع الأموال حتى يكون لنا قيمة في المجتمع الذي يقيس كل شيءٍ بالمال
أرى رجالاً بأدنى الدين قد قنعوا ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما استغنى الملوك بدنياهم عن الدين
الحمد لله على كل حال
جزاك الله خيرا أختي على الموضوع نفعنا الله وإياك بما تعلمنا وعلمنا ما ينفعنا