قضيَّة علميَّة دينية:
هل زواج الأخوة من الأخوات حلال ؟! والعياذ بالله.
أولاد سيدنا آدم عليه السلام، كيف تزوج الأخ أخته؟!.
إذ لم يكن بالعالَم إلاَّ آدم وحواء وأولادهما الأخوة والأخوات.
كيف تزوجوا من بعضهم البعض، وتناسل الناس وكثروا؟. مع أن زواج الأخوة بالأخوات محرَّم على التأبيد، لا يجوز.
كيف حُلِّل إذ ذاك وحُرِّم بعدها؟!. مع أن الحلال دوماً حلال، والحرام دوماً حرام ،ولا تناقض بشريعة الله: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا ..} (13) سورة الشورى:ولا معقِّب لحكمه تعالى، ولا مبدِّل لكلماته، سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.
فنقول: إن سيدنا آدم عليه السلام هو أبو البشرية قاطبة، وأول من ظهر من الإنس على وجه البسيطة، وبه وبأمنا حواء عليهما السلام ابتدأت الحياة والمعيشة على ظهر المعمورة، وسرت إلى يومنا هذا. وكما نعلم أن سيدنا آدم خلقه تعالى بكلمة ( كن ) فكان عليه السلام.
فلا أب ولا أم له، بل هو الأب الأول لعالم الإنس.
فكيف يا ترى سارت الحياة و انتظمت سنن الخلق لنا كما نراها الآن،وما كان من بشر سوى سيدنا آدم وزوجه أمنا حواء عليهما السلام؟. فهما الوحيدان في العالم.
فلهذا السبب رتَّب الله الحكيم لهما قانوناً تسير بموجبه الحياة بشكل مؤقت، ريثما تنشأ أجيال من ذريتهما، وتستمر الحياة بشكلها الطبيعي.
فالله عز وجل هو المشرِّع، وهو واضع القوانين جميعها بكمال الكمال، وبيده ملكوت السموات والأرض وتسييرهما ضمن الحكمة والحق والفضيلة والخير.
وكما يقال:( أن أمنا حواء عليها السلام ولدت عشرين بطناً، حملت بكل بطن ذكراً وأنثى)، فأوحى الله تعالى لأبينا آدم عليه السلام أن يأكل وبنيه من البطن الأول من مادة واحدة فقط: " الحنطة" مثلاً.
ثم أمره تعالى أن يأكل وبنيه من البطن الثاني من مادة ثانية: " الحمص " مثلاً. وكل جيلٍ منهما اقتصر على صنف واحدٍ من الطعام.
نتيجة لذلك جاء الدم (الذي منه بناء الجسم ونماؤه) في البطن الأول مختلفاً عن البطن الثاني.
لذلك سمح تعالى التبادل بالزواج بين البطنين الأول و الثاني، أي الابن من البطن الأول يأخذ البنت من البطن الثاني، وبالعكس.
أما الحكمة من لزوم التبادل بين كل بطنين من أولاد سيدنا آدم فهي: اختلاف الدم في كل بطن، نتيجة لاختلاف المادة المغذية من بطن لآخر.
أما إذا اتحد وتماثل الدم في حال أكلهم من أطعمة متماثلة، فالذرية تأتي ضعيفة البنية ولا تصلح للحياة، أو تكون مصابة بالعلل الخطيرة: كالشلل، أو العمى، أو غيرها .. وذلك لضعف الميل النفسي، ولفتور العلاقة بين الزوجين الأخوين. ولا تقوى العلاقات الزوجية لضعف الميْل الجنسي وفتوره، بل تصل للنفور والكره للتشابه الحاصل بتركيب البُنْيَتـيـن.
أمَّا عند اختلاف الدم فتقوى العلاقة الزوجية، وتصبح الميول النفسية قوية بأوجها، وتأتي الذرية قوية، سليمة من العاهات، وهذا ما ثبت علمياً في هذا العصر.
وتمَّ ذلك الزواج لمرة واحدة بين بني آدم عليه السلام الأخوة والأخوات، بسبب اختلاف تركيب البدن جراء الاقتصار على نوعية متباينة من الطعام.
ومن الملاحظ الفرق بين العرق الأصفر في الصين بسبب الاقتصار على أكل الرز تقريباً، واختلاف السحنة، وتكوينهم الشكلي والظاهري، نوعاً ما عن بقية الأجناس البشرية التي تتناول الأطعمة المتنوعة .
فالجسم البشري جزء من هذا الكون، يتأثر ويتبدل بالأطعمة بشكل رئيسي، والأمكنة كما هو الفرق ظاهر بين سكان الجبال، وسكان الصحاري والسهول.
ثم أوقف تعالى ذلك الزواج، بل حرَّمه تحريماً مطلقاً على التأبيد وإلى نهاية الدوران، بسبب توافق الدماء للأخ وأخته بعدها، والضعف الشديد للميول والغريزة الجنسية بين الأخ والأخت، لتوافق الدم والتكوين.
ولتوضيح تلك العلاقة الجنسية بين الزوجين، وأمر فتورها بسبب توافق الدم أو تشابهه، ثم العكس قوة تلك العلاقة بسبب اختلاف الدم وتباينه، نضرب مثال:" قطبي المغناطيس "، فعندما نقرِّب قطبا مغناطيس متشابهان، أي كلاهما سالب شمالي أو موجب جنوبي فإننا نراهما متنافرين لا يجتمعان.
أما عندما نقرِّب قطبين متباينين، أي أحدهما سالب والآخر موجب، عندها يكون التجاذب والاتحاد .
وكذلك في السالب والموجب في أسلاك الكهرباء ( بارد و حامي )، يجري التيار الكهربائي، وينتج الضياء والحركة والحرارة.
ذلك لأن الإنسان في تركيبه الجسمي جزء من هذا الكون المادي، يخضع لنفس القوانين والعوامل المادية، ونفسُه موجودة في القفص الصدري، وأشعتها سارية في الأعصاب وهي المشرفة على أجهزة الجسم كلها، والآمرة الناهية على تلك الأجهزة، تؤثر وتتأثر بها.
والنفس تتأثر بالبيئة والمجتمع والأطعمة والأمكنة وتنعكس عليها، فالتقارب والتنافر بين الجنسين يعتمد اعتماداً كليّاً على مكونات الجسم الذي تقطن النفس فيه، والأمثلة المادية السابقة تبين نوعية العلاقات الجنسية الزوجية من حيث نجاحها ونتاجها من البنين والبنات، والميول من حيث قوتها وضعفها، لذا نوَّع وخصَّص أبونا آدم الأطعمة لبنيه من كلِّ بطن بأمر من الله، حتى تمَّ النجاح الزوجي، ثم ألغي ذلك، لعدم التكليف بنوع واحد فقط من الطعام.
عود على بدء:
قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ}: ادَّعوا أن هابيل سكت لقابيل وما قتله، فرد عليهم تعالى بأنه لو أن هابيل لم يسكت لأخيه لكان خيراً له ولأخيه. {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً}: في أول بطن جاء من آدم ذكر وأنثى وفي البطن الثاني جاء ذكر وأنثى، وحيث إن آدم صلى الله عليه وسلم في البطن الأول أكل من مادة "الحنطة" مثلاً، وفي البطن الثاني أكل من مادة ثانية "الحمص" مثلاً، جاء الدم مختلفاً في البطن الثاني عن دم البطن الأول فكان من اللازم التبادل بالزواج بينهما، فسمح تعالى للإبن الأول بأخذ البنت الثانية وبالعكس، جاءت الأولى أجمل من الثانية فما رضي أخوها بذلك. {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ}: لم تقتلني. {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ}: اتق الله ترى الحكمة من هذا التشريع في الزواج.
الحكمة: أنه إذا اتَّحد الدم جاءت الذرية ضعيفة، عميان… الخ، وعند اختلاف الدم تأتي الذرية قوية سليمة من العاهات.
– {لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ الله رَبَّ الْعَالَمِينَ}: الذي يقتل آخرته للنار.
– {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ}: تركه يتجرأ عليه، فسبَّب له القتل، قال: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ}: هل أدعك تتحمل إثمي وإثمك بأن أسمح لك بزواج أختي: أي لا أريد، ولكن ما هدَّده.
{فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَآؤا الظَّالِمِينَ}: ظلم نفسه بمخالفته كلام خالقه.
– {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ}: نفسه حرضته على ذلك. {فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}: دنيا وآخره. أخوه سبب له الخسارة حيث تركه،
– {فَبَعَثَ الله غُرَاباً}: هنا ظهر أن الله هيأ الدنيا قبل إخراج الإنسان للوجود، كما تبيَّن أن الفعل بيد الله فهو الذي بعث. {يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتى}: يا شقائي. {أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي}: البعيد عن الله جاهل، وأنت عليك واجب ؛ فعل المعروف، لهذا جئت للدنيا. {فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}: على فعله دنيا وآخره.
وقد فصَّل تعالى قضية التحريم هذه بالآية الكريمة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ ..} (23) سورة النساء.
معلوم طبياً في علم الوراثة، أن زواج الأقارب يؤدي إلى أمراض وراثية غريبة، تكون أحياناً عديمة الشفاء .. وأحياناً إلى طفرات وراثية وتشوهات خلقية، لذا ينصح الأطباء بزواج الأباعد، الذين لا تربطهم بالإنسان الذي يريد الزواج أي صلة قربى قوية.
ونحن نجد في الآية الكريمة السابقة أنه قد حرِّمت الأخت من الرضاعة أيضاً، وذلك لما فيه من تشابه وتماثل بين دمها ودم أخيها بالرضاعة.
كما حرِّمت الأم بالرضاعة، لأن جسم هذا الطفل الرضيع تأسس قسم كبير من بنائه الجسمي وقسم مهم من تركيب دمه، من حليبها الذي كان طعامه تقريباً كله مقتصراً عليه حليبها في الطفولة، وصار بينه وبين أمه وأخته من الرضاعة قربة دم وتركيب جسمي لا نسب، فهما لذلك محرَّم زواجهما.
إذن، أمر زواج الأخت من الأخوة سار ضمن حكمة بالغة، لأبناءٍ مختلفي التركيب والدم بزمن سيدنا آدم، كونهم من بطون مختلفة البناء الجسمي، لاختلاف الطعام الذي تناوله الجيل الأول، والطعام الذي تناوله الجيل الثاني كليّاً، فحدث اختلاف كبير في التركيب البنيوي. وصار كل منهما جديداً بالنسبة للآخر، فأمكن التجاذب بين الطرفين المتزوجين(للضرورة)، وأمكن وقوع الميل الجنسي، وخرجت مادة الحياة للطفل الجديد من كافة خلايا وأعضاء الجسم، فكان بناؤه الجسماني صالحاً للحياة متيناً طبيعياً لا تشويه فيه ولا ضعف، وبعد ذلك زالت الضرورة فعادت الأمور إلى مجاريها بدون هذا التكلف للطعام، وهذا حدث لمرة واحدة فقط، وعلى يديْ أبي البشرية سيدنا آدم النبي الرسول عليه السلام، لكونه أول الخلق، ولا يوجد على سطح الأرض مخلوق بشري سواه، وزوجه أم البشر جميعاً وسيدتهم، عليها السلام.
فهذا أمر خاص ببدء الخلق، ثم حرَّمه الله تعالى من بعد ذلك إلى نهاية الدوران، تحريماً على التأبيد.
والحمد لله رب العالمين
هذا البحث من ثنايا علوم العلامة الإنساني محمد أمين شيخو.
* * *