تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » فضل الحياء

فضل الحياء

الحياء خلق إسلامي رفيع، يحمل صاحبهعلى تجنب القبائح والرذائل، ويأخذ بيده إلى فعل المحاسن والفضائل .

ويكفيلمعرفة منـزلة هذا الخلق ومكانته في الإسلام، أن نقرأ قوله صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطةالأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) رواهالبخاريومسلم، فالحياء فرع منفروع الإيمان، وطريق من الطرق المؤدية إليه .

وإذا كانت منزلة الحياء في الإسلام على هذهالدرجة الرفيعة، فلا عجب أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الناس اتصافاًبهذا الخلق الرفيع، فقد كان أكثر الناس حياءً، وأشدهم تمسكًا والتزامًا بهذا الخلقالكريم .

ويشبه لنا الصحابة الكرام خلقه صلى الله عليه وسلم، بأنه كان أشد حياء منالفتاة في بيت أهلها؛ يروي لنا الصحابي الجليلأبو سعيد الخدريرضي الله عنه ذلك، فيقول (كان رسول الله صلى الله عليهوسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها) رواهالبخاريومسلم.

وأول مظاهر حيائه صلى الله عليه وسلم وأولاها،يتجلى في جانب خالقه سبحانه وتعالى؛ ولهذا لما طلبموسىعليه السلام من نبينا صلى الله عليه وسلم أن يراجع ربه في قضية تخفيف فرضالصلاة، وذلك في ليلة الإسراء والمعراج، قال صلى الله عليه وسلم لموسى (استحييت من ربي) رواهالبخاري؛فبعد أن سأل نبينا ربه عدة مرات أن يخفف عن أمته من عدد الصلوات، إلى أن وصل إلىخمس صلوات في اليوم والليلة، منع خُلق الحياء نبينا صلى الله عليه وسلم من مراجعةربه أكثر من ذلك .

وأما حياؤه صلى الله عليه وسلم من الناس، فالأمثلة عليه كثيرة ومتنوعة؛ فقدورد أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية التطهر من الحيض، فأخبرهاأن تأخذ قطعة من القماش، وتتبع بها أثر الدم، إلا أن تلك المرأة لم تفهم عن النبيقصده تمامًا، فأعادت عليه السؤال ثانية، فأجابها كما أجابها في المرة الأولى، غيرأنها أيضًا لم تستوعب منه قوله، فسألته مرة ثالثة فاستحيا منها وأعرض عنها، وكانعائشةرضي الله عنها حاضرة الموقف، فاقتربت من تلكالمرأة وشرحت لها الأمر بلغة النساء .

ومن الأدلة على حيائه صلى الله عليه وسلم، ماجاء في الصحيحين، عنأنسرضي الله عنه، في قصة زواجالنبي صلى الله عليه وسلم بـزينب بنت جحشرضي اللهعنها، فبعد أن تناول الصحابة رضي الله عنهم طعامهم تفرق أكثرهم، وبقي ثلاثة منهم فيالبيت يتحدثون، والنبي صلى الله عليه وسلم يرغب في خروجهم، ولكن، ولشدة حيائه صلىالله عليه وسلم لم يقل لهم شيئًا، وتركهم وشأنهم، حتى تولى الله سبحانه بيان ذلك،فأنزل عليه قوله تعالى {فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسينلحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق} (الأحزاب:53) .

وكان من حيائه صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا بلغه عن الرجل أمر غير جيد،أو رأى منه سلوكًا غير قويم، لا يخاطب ذلك الشخص بعينه، ولا يوجه كلامه إليهمباشرة، حياءً منه، ولكي لا يجرح مشاعره أمام الآخرين، بل كان من خلقه وهديه في مثلهذا الموقف أن يوجه كلامه إلى عامة من حوله، من غير أن يقصد أحدًا بعينه، فكانيقول (ما بال أقوام يقولون: كذا وكذا) رواهأبو داود. وهذا من حيائه صلى الله عليه وسلم، وتقديره للآخرينأن يجرح مشاعرهم، أو يشهِّر بهم أمام أعين الناس .

وكان منأمر حيائه صلى الله عليه وسلم، أنه إذا أراد أن يغتسل اغتسل بعيدًا عن أعين الناسولم تكن الحمامات يومئذ في البيوت، كما هو شأنها اليوم – ولم يكن لأحد أن يراه، وماذلك إلا من شدة حيائه. أخبرنا بهذاابن عباسرضي اللهعنه، قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وراء حجرات، وما رأى أحدعورته قط ). رواهالطبراني، قالابنحجر: وإسناده حسن.

ومن صور حيائه ما جاء في سننالدارمي، قال ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حييًا، لايُسأل شيئًا إلا أعطاه ) وهذا من طبع الحيي أنه لا يرد سائله، ولا يخيب طالبهوقاصده .

ولم تكن صفة الحياء عنده صلى الله عليه وسلم صفة طارئة، بل كانت صفة ملازمةله في كل أحيانه وأحواله؛ في ليله ونهاره، وفي سفره وإقامته، وفي بيته ومجتمعه، ومعالقريب والبعيد، والصديق والعدو، والعالم والجاهل؛ وقد روى لنا القاضيعياضفي صفة مجلسه صلى الله عليه وسلم، فقال ( مجلسه مجلس حلموحياء ) فما ظنك بمن كانت مجالسه، مجالس تسود فيها صفات الحلم والحياء ؟!

لكن يشارهنا، إلى أن الحياء لا ينبغي أن يكون مانعًا للمسلم أبدًا من أن يتعلم أمور دينهودنياه؛ فقد كان الصحابة رضي الله عنهم يسألون رسول الله عن كل ما يعنيهم في أمردينهم أو دنياهم، حتى ورد في الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم علم صحابته كل شيء،حتى الأمور المتعلقة بقضاء الحاجات؛ كالدخول إلى الحمام بالرجل اليسرى، والخروجمنها باليمنى، وعدم استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وعدم استعمال اليد اليمنى حالإزالة النجاسة، ونحو ذلك من الأمور التي لم تمنع الصحابة من أن يسألوا عنها لتعلقهابعبادتهم ونظافتهم .

وكذلك كان النساء من الصحابة، يسألن رسول اللهعن شؤون دينهن، وقد صح أن الصحابيةأم سُليمرضي اللهعنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إن الله لا يستحييمن الحق، هل على المرأة من غسل، إذا رأت الجنابة في منامها؟ فقال لها (نعم، إذا رأت الماء). والحديث في الصحيحين. فقد علمت رضي اللهعنها أن دينها يفرض عليها أن تتعلم أمور دينها، لذلك لم تستحِ من سؤال النبي صلىالله عليه وسلم عما دعت الحاجة إليه، وقدمت لسؤالها بقولها: ( إن الله لا يستحيي منالحق ) حتى تقطع الطريق على من قد يسمع سؤالها، فيتبادر إلى ذهنه أن سؤالها هذاينافي الحياء ويجافيه .

بارك الله فيكم وجزاااكم عنا أحسن الجزاء
خليجية
خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.