تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » فضائل بلاد الشام في القرآن الكريم

فضائل بلاد الشام في القرآن الكريم 2024.

فضائل بلاد الشام في القرآن الكريم
قال الله تعالى : « وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ » (القصص : 68 ). لقد اختار الله -عزَّ وجل- مكة والمدينة، واختار بلاد الشام، واختار المسجد الأقصى منها، واختار -سبحانه وتعالى- نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وجعله خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعل شريعته هي خاتمة الشرائع، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، واختار الطائفة المنصورة إلى يوم الدين من هذه الأمّة، وجعلها في بلاد الشام، وأنَّ بلاد الشام في آخر الزمان هي مهوى أفئدة المؤمنين، وأنّها مهاجر إبراهيم الخليل، وأولياء الله الصالحين.
فبلاد الشام بلاد طيبة مباركة ذكرها الله في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فهي مهجر إبراهيم الخليل، ومقام أكثر أنبياء الله-سبحانه-.
قال الله -تعالى- في كتابه: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ(الأنبياء : 71 )
نجَّاه من أذى قومه، ومن اضطهادهم حيث ألقوه في النار، فجعلها الله برداً وسلاماً عليه، واختار له الأرض المباركة: اختار له فلسطين من بلاد الشام.
وأمر كليم الله موسى -عليه الصلاة السلام- قومه بدخول الأرض المقدسة من الشام؛ ليدخلوها فاتحين، ويقاتلوا الكفرة: العمالقة، ويطهِّروا الأرض المقدسة من رجسهم، لكنهم نكلوا، وقصتهم معروفة مشهورة؛ وهي في سورة المائدة.
قال الله -تعالى-: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ (المائدة : 21 )، ولما لم يكتب لموسى -عليه الصلاة والسلام- دخولها؛ بسبب نكول قومه عن الجهاد وتخاذلهم؛ شكا ضعفه إلى ربه: قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (المائدة : 25 )
ومع وجود القوم الجبَّارين، ومع خذلان اليهود -الذين ديدنهم نقض المواثيق والعقود -، دعا موسى -عليه الصلاة والسلام- ربه حينما حان أجله أن يدنيه إلى الأرض المقدسة رميةً بحَجَر([19])، والقرب من الشيء يعطيه حكمه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت عنده لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر» ([20]).
وكان الإسراء بخاتم النبيين وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم بروحه وجسده من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكان عروجه من المسجد الأقصى إلى السماوات العلى، وقد ذكر ربنا ذلك في كتابه؛ فقال: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (الإسراء : 1 )؛ فقولـه تعالى يدل على أنَّ المسجد الأقصى وما حوله مما يحيط به من بلاد كلها مباركة.
ويستفاد من هذه الآية وصول النبي صلى الله عليه وسلم أرض الشام، وقد دخلها ثلاث مرات:
مرة وهو صبي مع عمه في التجارة.
ومرة في الإسراء والمعراج.
ومرة وصل تخوم بلاد الشام مع جيش العسرة في غزو تبوك.

وبلاد الشام ميراث الصالحين، قال الله -تعالى-: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ(الأعراف : 137 )
الأرض: المقصود بها أرض الشام؛ قاله: الحسن، وقتادة، وزيد بن أسلم، وسفيان.
وأجرى الله -عزّ وجل- الريح لسليمان -عليه الصلاة والسلام- إلى الأرض المباركة، وكانت القدس موطن سليمان -عليه الصلاة السلام-، ومكانه، ومقرّ مملكته، قال الله -تعالى-: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (الأنبياء : 81 )
قال ابن جرير الطبري: «تجري الريح بأمر سليمان إلى الأرض التي باركنا فيها؛ يعني: أنها الشام، وذلك أنها كانت تجري بسليمان وأصحابه إلى حيث شاء سليمان، ثم تعود به إلى منزله بالشام، فلذلك قيل: إلى الأرض التي باركنا فيها» ([22]).
وقال الله -تعالى-: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (سبأ : 18 ) والقرى الواردة في الآية: قرى بلاد الشام المتاخمة لقرى اليمن.
قال ابن جرير الطبري: «أي: جعلنا فيها الخير ثابتاً دائماً لأهلها» ([23]).
هنا أقول: إنّ هذه البركة قد تقلّ -أحياناً- بسبب المعاصي والذنوب؛ فالمعاصي والذنوب سبب لهلاك الأمم والشعوب([24]).
وأقسم الله بالأرض المقدسة في كتابه المبين؛ فقال -سبحانه وتعالى-: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * * وَطُورِ سِينِينَ ِ وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ [التين:1-3].
وذهب بعض المفسرون إلى أنّ:
(التين) هو: الجبل الذي عليه دمشق، وعلى ذلك قتادة، وعكرمة.
و(الزيتون): الجبل الذي عليه بيت المقدس.
والمراد من الكلام على قول هؤلاء: القسم بمنابت التين والزيتون؛ لأنَّ دمشق بها منابت التين، وبيت المقدس بها منابت الزيتون.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-([25]): «قال بعض الأئمة([26]):«هذه مَحالّ([27]) ثلاثة بعث الله في كلّ واحد منها نبيَّاً مرسلاً من أولي العزم، أصحاب الشرائع الكبار؛ فالأول([28]): محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث فيها عيسى ابن مريم -عليه السلام-، والثاني: طور سينين: وهو طور سِيناء أو سَيناء -فيها وجهان- الذي كلم الله عليه موسى بن عمران -عليه السلام-، والثالث: مكة وهو البلد الأمين، الذي من دخله كان آمناً، وهي التي أرسل الله -عزَّ وجل- فيها محمداً صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا أقسم بالأشرف، ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما».
كذلك ذكر الله -عزَّ وجل- بلاد الشام والأرض المقدسة، وجعلها مبوَّأ صدق، قال الله -تعالى-: وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (يونس : 93 )
قال ابن كثير: «هو بلاد مصر والشام مما يلي بلاد المقدس ونواحيه»([29]).
قال الطبري عن قتادة: «بوَّأهم الله الشام وبيت المقدس»([30]).
وبلاد الشام هي المعنيَّة بقوله -تعالى-:وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (المؤمنون : 50 ) -تُقرأ: (رُبوة)، وهما قراءتان متواترتان
قال الضَّحاك وقتادة: «إنها بيت المقدس»، ورجحه الحافظ ابن كثير([31]).
وقال الأكثرون من المتقدمين: «إنها ربوة دمشق» ([32])؛ فترجح أنها بالشام لا بمصر ولا بالكوفة؛ كما قال مَنْ أَبْعَدَ القولَ(!)
إنّ تاريخ بلاد الشام مرتبط بسيرة أولي العزم من الرسل وغيرهم من الأنبياء والمرسلين؛ كلوط، وإسحاق، ويعقوب، وأيوب، وداود، وسليمان، واليسع، وذي الكفل، وزكريا، ويحيى -عليهم صلوات الله وتسليمه-.
ودخلها النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، ولم يخرج من الحجاز إلا إليها، وبعد الهجرة توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مشارفها؛ فوصل تبوك، ولم يلق كيداً، ووجَّه إليها جيش أسامة، فبدأ بها قبل غيرها من الأمصار، وكذلك فعل الصدّيق -رضي الله عنه- حتى إنه قال: «لأن أفتح كَفْراً من كُفورِ بلاد الشام أحب إلي من أن أفتح مدينة من بلاد العراق»، وكذلك عمر -رضي الله عنه- لم يدخل العراق وإنما دخل فلسطين.



__________________

خليجية

خليجية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.