علو القرآن على سائر الكتب المنزلة
القرآن الكريم هو كتاب الله الحكيم ، ونوره المبين ، وصراطه المستقيم ، وهو آيته الكبرى ، وهدايته العظمى ، وهو معجزة الدهر ، وكتاب الخلود ، ودستور العالم .من أجل ذلك فاق هذا الكتاب كل ماتقدمه من الكتب السماوية ، وكانت منزلته فوق منزلتها ، قال تعالى : ( وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) ، وقال : ( أنزلنا الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ) أى عاليا عليه . قال العلماء : وعلو القرآن على سائر كتب الله ـ وإن كان الكل من عنده ـ بأمور :
الأول : أنه زاد عليها بسور كثيرة .فقد جاء فى الحديث الصحيح أن نبينا صلى الله عليه وسلم خُصَّ بسورة الحمد وخواتيم سورة البقرة .
وفى مستند الدارمىّ عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال : " إن السبع الطوال مثل التوراة ، والمئين مثل الإنجيل ، والمثانى مثل ال**ور ، وسائر القرآن بعد هذا فضل "
.
وأخرج الإمام أحمد والطبرانى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أُعطيت مكان التوراة السبع الطوال ، وأعطيت مكان ال**ور المئين ، وأعطيت مكان الإنجيل المثانى ، وفضًّلت بالمفصَّل " .
والسبع الطوال من أول البقرة إلى آخر براءة بجعل الأنفال وبراءة سورة واحدة .
والمئون هى السور التى تشمل على مائة آية .
والمثانى هى السور التى يكون عدد آياتها أقل من مائة آية .
وأما المفصَّل فقد اختلف فى أوله ، فقيل من أول الصافات ، وقيل من أول الفتح ، وقيل من أول الحجرات ، وقيل من اول " ق " ، واتفقوا على أن منتهاه آخر القرآن الكريم .
الأمر الثانى : أن الله تعالى جعله قرآنا عربيا مبينا ً ، وكل نبى قد
بين لقومه بلسانهم ـ كما أخبر عزوجل فى قوله : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) ولكن لسان العرب مزية فى البيان ، وفى الحديث: " أحبوا العرب لثلاث : لأنى عربى ، والقرآن عربى ، وكلام أهل الجنة عربى " رواه البهقى والحاكم والطبرى .
الأمر الثالث : أن الله تعالى جعل نطقه وأسلوبه مُعجزا ً، وإن كان الإعجاز فى سائر كتب الله تعالى من حيث الإخبار عن المغيبات ، والإعلام بالأحكام ، ولكن ليس فيها نظم وأسلوب خارج عن المعهود ، فكان القرآن أعلى منها بهذه المعانى وأمثالها ، وإلى هذالإشارة بقوله تعالى : ( وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) .
ومما يدل على هذا أيضا قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) .
قال الإمام ابن كثير : " وإنما فازوا بهذه ببركة الكتاب العظيم ،
القرآن الذى شرفه الله تعالى على كل كتاب أنزله ، وجعله مُهيمنا عليه ، وناسخا له ، وخاتما له ، لأن كل الكتب المتقدمة نزلت إلى الأرض جملة واحدة ، وهذا القرآن نزل مُنجَّما بحسب الوقائع لشدة الإعتناء به ، وبمن أنزل عليه ، فكل مرة كنزول كتاب من الكتب المتقدمة " .