عندما ضعُفت روح اليقين أو كلما ضعُف اليقين وتنافس المسلمون في الدنيا وفى الحظوظ والشهوات والأهواء ضعُفت عندهم روح الجهاد وخبت عندهم القيم الإيمانية فمكَّن الله عدوّهُم منهم، ولا مخرج لهم في هذه الأحوال إلا بالرجوع إلى التربية الأولى التي كان عليها رسول الله صلي الله عليه وسلم مع صحبه الكرام
ِلمَ انتصر صلاح الدين الأيوبي في حطين وقبله نور الدين زنكي الذي كان صلاح الدين قائداً من قادة جنده في معاركه مع الصليبيين؟ لأن في هذه الفترة ظهر كثيرٌ من الشيوخ المُربين الشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ أحمد الرفاعي والشيخ عدىّ بن المسافر وغيرهم من المشايخ في نواحي الأكراد وبلاد العراق
وكان أسُ جند نور الدين زنكي وصلاح الدين من هؤلاء الرجال الذين تربوا هذه التربية وكانوا هم أيضا على نفس النسق ونور الدين زنكي مع أنه كان حاكم بلاد الموصل وبلاد الشام لم يكن يمتلك قصراً وكان يسكن في القلعة التي يحكم منه، وكان لا يزيد في نفقاته على أفقر رجل في دولته ويأخذ نفقاته من ثلاثة دكاكين اشتراهم من غنيمته في حمص يأكل من ريعهم ويصنع له صنعة يصنع بعض الحرف البسيطة ويعطيها لرجل عجوز يبيعها له سِرا ليستكمل نفقته
ولما ضجَّت زوجته وطلبت من أخيها أن يذهب إليه ليزيد في نفقاتها قال : هذا المال ليس ملكي وإنما مال المسلمين أأعطيها من مال المسلمين وأترك الفقراء والمساكين؟ ولكن لي ثلاثة دكاكين اشتريتها من سهمي في الغنيمة في حمص وهبتها لها وليس لها شيئاً غير ذلك عندي
وكان على صلة بالله وبحبيب الله ومصطفاه ولذلك حدث في عصره أن رجلاً أوروبياً أرسله الأوروبيون وزوَّدوه بكل ما يحتاج إليه من المال ليستخرج لهم جسد النبي صلي الله عليه وسلم ويذهب به إليهم وذهب الرجل وتظاهر بالإسلام وسكن في المدينة وأخذ يُوزع على الناس أموالاً بغير حساب حتى حسبوه من المُحسنين والمُتصدقين والمُنفقين
واشترى داراً قريبة من المسجد النبوي ومن الحجرة الشريفة وكان يحفر بالليل في الأرض ثم يحمل التراب في كيس ويذهب به زاعماً أنه يزور البقيع ويُلقي فيه هذا التراب ولما اقترب من الحجرة الشريفة إذا برسول الله صلي الله عليه وسلم يذهب إلى نور الدين زنكي ويقول له: يا نور الدين أغثني من هذا الرجل وأراه صورة الرجل وهيئته لم يذهب إلى حاكم الحجاز أو حاكم اليمن وكان هذا لصلاحه
فذهب إلى المدينة فوراً ومعه أموالاً كثيرة وأراد أن يعرف الرجل فدعي كل أهل المدينة ليوزع عليهم العطاء وكل من جاءه أعطاه كيساً فيه نقود والرجل لم يأتي فقال: ألم يبقى أحداً؟ قالوا: لم يبق إلا رجلاً من المحسنين المُنفقين المتصدقين قال: أريد أن أراه قالوا: إنه لم يأتي قال: اذهبوا بي إلى بيته
فلما رآه عرف أنه هو الرجل الذي رآه في المنام وكان الرجل يضع على ظاهر الحفرة حصيراً ليغطيها فأدرك ببصيرته أن هذا هو المكان فقال له: ارفع هذا الحصير فوجد الحفرة فقتله وذهب إلى ضريح حجرة النبي صلي الله عليه وسلم وحفر حوله وحصَّنه بالرصاص حتى لا يستطيع أحدٌ أن يصل إليه ولا أن يقترب منه
المراجع
1- كتاب تاريخ معالم المدينة
2- كتاب (مفيد العباد) عن السمهودي للشيخ أحمد البشير
3- ابن الأثير
4- ابن خلكان
5- الإسلام ويب مركز الفتوى
6- سير أعلام النبلاء للذهبي
7- وفاء الوفا للسمهودى
8- ذكر هذه الحادثة جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن بن علي الأسنوي (ت 772هـ) في رسالة له اسمها " نصيحة أولي الألباب في منع استخدام النصارى " ويسميها بعضهم بـ " الانتصارات الإسلامية " نقلها عنه علي بن عبد الله السمهودي (ت 911هـ) في كتابه " وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى " (2/648-650)
9- وذكرها الحافظ جمال الدين عبد الله بن محمد بن أحمد المطري (ت 765هـ) وكان رئيس المؤذنين في الحرم النبوي وهو مؤرخ له كتاب " الإعلام فيمن دخل المدينة من الأعلام " قال : " سمعتها من الفقيه علم الدين يعقوب بن أبي بكر نقلا عن "وفاء الوفا" (2/650)
10- الرحالة ابن جبير أبو الحسين محمد بن أحمد المتوفى سنة (614هـ) يذكرها في "رحلته" في أحداث سنة (578هـ) (ص/34-35)
http://www.fawzyabuzeid.com/table_bo…1&id=101&cat=6
منقول من كتاب [شراب أهل الوصل] اضغط هنا لتحميل الكتاب مجاناً