يشتكي كثير منا في شهر رمضان المبارك ببعض الجفاف الروحي ، والفتور النفسي ، وقلة الروحانيات ؛ برغم محاولة الاجتهاد في التقرب إلى الله ، وجعل رمضان محطة إيمانية عالية للتزود ؛ لأن رمضان قد وردت فيه الكثير من النصوص المشجعة على ذلك ، بل النصوص المغرية بالإقبال على التقرب أكثر ؛ فالجنة مفتحة الأبواب ، والنار موصدة ، والشياطين مصفدة ، والأجور تضاعف ، وباغي الخير يزيد وينشط مع إشراقة فجر كل يوم في الشهر الفضيل .
والناس في حالة الجفاف الروحي هذه التي تصيب البعض منا ـ إخوة وأخوات ـ على مذهبين ، مذهب عدم الاكتراث بالحالة والتعود عليها خلال العام كله ، فما الجديد فيها ؟ ، ومذهب الخوف من الحالة والشعور بعدم التوفيق في اغتنام كنوز هذا الشهر الرباني المميز .
وكل المذهبين نخاطب في هذه المقالة ..
تعبٌ .. وتربية
فلو أننا نظرنا في تأثير الصوم على الجسم وما يتركه فيه من تعب وشعور ببعض كسل ربما ، لفهمنا أن الحال طبيعي ، وأن الصوم هو خروج عن مألوف دام أحد عشر شهرا كاملة ، وإن هو إلا تغيير للتعود الذي أعتاده الجسم والروح معا ، والكثير من الناس يصابون في أول رمضان بنوع من الربكة في المأكل والمشرب والنوم والعمل ونحو ذلك ، ومن هنا نرى الحكمة في صيام النبي عليه الصلاة والسلام في شهر شعبان الأيام الكثيرة ، كي يكون ذلك الصوم مقدمة وتمهيدا لصوم الشهر المبارك .
ومن يرى بأن حالة الجفاف الروحي التي تحدث في رمضان إن هي إلا حالة عادية مثل بقية السنة ، فهذا خلل في فهم فلسفة الصوم ، وفهم بركات هذا الشهر وما خصه الله تعالى به من مزايا ، ويجب تصحيح هذه النظرة أولا ، ليكون العلاج ثم .
ومن يخاف من حاله هذا ـ الجفاف الروحي في رمضان ـ فإن هذا الخوف يجب أن يبنى على علم ، وأن يتولد منه عملا ، لا أن يقبل المرء منا بالمرض ولا يبادر لعلاجه ، وتخليص نفسه من آثار المرض وتوابعه !
ولو تأملنا فيما يصيب الجسم من الصيام ـ كما ذكرت ـ لكنا قد فهمنا الأرضية التي يبنى عليها الصوم ، لنأخذ مثلا الصوم والرغبة في الزواج ، والذي يمثل نوعا من تحقيق شهوة مشروعة ، لوجدنا أن النبي عليه الصلاة والسلام قد وجه الشباب بأن يتزوج فإن لم يجد ؟ فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء ، أي معينا على ما يجده في نفسه ! فالصوم هنا يكبح الشهوة لمن لا يجد مصرفا شرعيا لها : " "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" . رواه البخاري .
تحيتي
تحيتي