تسعى النماذج الاختزالية للتعلم إلى رد السلوك المركب إلى انماط السلوك البسيط وتفسيره .
وهناك اتجاهين رئيسيين هما : بافلوف وثورنديك .
نموذج التعلم الشرطي الاستجابي
يعتبر أول النماذج الاختزالية وأكثر شيوعا ، ويعود أصوله إلى العالم الروسي بافلوف ، وكان اهتمامه دراسة الجهاز الهضمي ، ولكنه حينما كان يجري تجاربه على الجهاز الهضمي للكلاب لاحظ ان الحيوان يفرز لعابه حين يتعرض لبعض المثيرات التي ترتبط ارتباطا متكررا بالطعام ، وليس حينما يوضع الطعام في فمه ، إلا إن الحيوان كان يفرز لعابه لمثيرات أخرى محايدة ، وهو ما سماه بافلوف بالمثير الشرطي .
الإجراء التجريبي :
يتلخص فيما يلي :
1 – اختيار مثير واستجابة يرتبطان بعلاقة انعكاسية فطرية ، ومن ذلك مثير الطعام ويسمى بالمثير الطبيعي ، واستجابة إفراز اللعاب والتي تسمى الاستجابة الطبيعية .
2 – اختيار مثير جديد لا يرتبط بالاستجابة السابقة باي علاقة فطرية أو مكتسبة ،ويسمى في هذه المرحلة بالمثير المحايد وفي المرحلة اللاحقة بالمثير الشرطي ، ويكون صوتا أو ضوء لا يرتبط بإفراز اللعاب .
3 – بعد ذلك يصمم المجرب الموقف التجريبي بحيث تتابع على النحو التالي ( ظهور المثير المحايد أو الشرطي فظهور المثير الطبيعي فصدور الاستجابة إفراز اللعاب .
4 – يقوم المجرب بعرض المثير الشرطي فإذا لاحظ ان استجابة إفراز اللعاب تصدر حتى ولو لم يتبع المثير الطبيعي ، فانه يستنتج حدوث التعلم الشرطي ، وبالتالي يصبح إفراز اللعاب استجابة شرطية لانها استجابة متعلمة لمثير لم تكن تربطه به علاقه .
وقد اجريت تجارب كثيرة على التعلم الشرطي عند الإنسان ومن اشهرها تجربة واطسون 1920 التي عرفت باسم تجربة الطفل البرت وهو طفل عمره 11 شهر ، قدم له فأر ابيض ليلعب به دون خوف ، ثم استخدم أسلوب التعلم الشرطي ، فكلما ظهر الفار امام الطفل تصدر أصوات مرتفعة تؤدي إلى اصدار استجابة الخوف ، وبعد التتابع الاقتران لوحظ ان مجرد عرض المثير الشرطي( الفأر ) يؤدي إلى استجابة الخوف .
العوامل المؤثرة في حدوث التعلم الشرطي الاستجابي :
1 – سيادة الاستجابة :
هي العلاقة بين الطعام وإفراز اللعاب أكثر سيادة وسيطرة من العلاقة بين صوت الجرس والانتباه لمصدر الصوت ، وان العلاقة بين المثير والاستجابة يدعمها حافز قوي .
2 – العلاقة الزمنية بين المثيرات :
ان حدوث التعلم الشرطي الاستجابي يتطلب الاقتران بين المثيرين ، وليس بمعنى التأني وانما في ترتيب المثيرات : مثير شرطي فمثير طبيعي فاستجابة .
3 – تكرار الاقتران بين المثيرين :
وذلك لضمان الوصول إلى نتائج مؤكده في حدوث التعلم الشرطي الاستجابي .
4 – المثيرات المشتتة :
عندما يقترن مثير شرطي جديد مع مثير طبيعي فان وجود مثير ثالث ل يرتبط بهما يؤثر في عملية التعلم الشرطي الاستجابي ، اي ان نجاح هذا النوع من التعلم يتوقف على قلة عدد مشتتات الانتباه في موقف التعلم .
5 – التعزيز :
لا يحدث التعلم الشرطي الا إذا توفر فيه التعزيز ، ويقصد به هو ان يكون تتابع ( مثير شرطي فمثير طبيعي فاستجابه ) على فترات زمنيه ملائمة ، والمثير الطبيعي هو التعزيز .
6 – الانطفاء التجريبي :
إذا لم يتبع المثير الشرطي المثير الطبيعي في عدد كبير من المحاولات ( اي إذا توقف التعزيز ) فان الاستجابة الشرطية تضعف تدريجيا حتى تزول ، وهذا ما سماه بافلوف بالانطفاء التجريبي .
ان زوال الاستجابه ليس اختفاء ولكنه نوع من الكف ، والدليل على ذلك بعد فترة قد تظهر الاستجابة دون تعزيز .
7 – التعميم :
عندما يتعلم الكائن استجابة شرطية لمثير شرطي فان المثيرات المشابهة تؤدي إلى ظهور هذه الاستجابة ، فالطفل الذي تعلم ان يخاف من الفأر اصبح يخاف كذلك من الارنب والقط وال*** ، وكلما زادت درجة التشابه بين المثير الجديد والمثير الشرطي الاصلي زاد احتمال استبدال أحدهما بالاخر ، وتسمى هذه الظاهرة بالتعميم .
8 – التمايز :
هو عملية مكملة للتعميم ، فاذا كان التعميم استجابة للتشابه بين المثيرات فان التمايز استجابة للاختلاف بينهما .
أهمية التعلم الشرطي الاستجابي في سلوك الإنسان
عندما ظهرت نتائج بافلوف تحمس لها عدد من العلماء ومنهم واطسون الذي يرى أن جميع صور التعلم يمكن أن تفسر في ضوء نموذج الاشتراط الاستجابي ، إلا انه سرعان ما أصبح واضحا أن ذلك غير صحيح .
فمثلا لا يستطيع هذا النموذج أن يفسر بعض ظواهر التعلم المركبة مثل اكتساب المهارات الحركية ، وخير ما يصلح لتفسيره هو ميدان التعلم الانفعالي والوجداني كالحالات الانفعالية (خوف – قلق – حب – كراهية – اتجاه ) .
نموذج المحاولة والخطأ
في نفس الوقت الذي كان يجري فيه بافلوف تجاربه كان ثورندايك يجري تجاربه على تعلم القطط ، وكان يضع قطا جائعا في القفص ويضع الطعام خارجه وكان للقفص باب له ساقطة بحيث لو حركها ينفتح الباب .
ولحظ ثورنديك ان الحيوان في اول مره يظهر حركات عشوائية محاولا الخروج من القفص ثم ينجح بمحض الصدفة ، وبتكرار المحاولة لوحظ ان النشاط يصبح أقل عشوائية وأكثر تركيز على الساقطة .
وقد اجريت تجارب كثيرة على حيوانات أخرى مثل الاسماك والفئران .
وبعد ذلك استخدمت المتاهات لدراسة التعلم الحيواني والانساني ، والمتاهة عبارة عن شبكة من الطرق بعضها مسدود ولا يوجد فيها الا طريق واحد أو اكثر يؤدي إلى الخارج أو الهدف .
وقد وضع ثورنديك عددا من القوانين تفسر التعلم بالمحاولة والخطأ ، وقد عدل بعض القوانين سعيا للاجابة على سؤال : لماذا يتناقص عدد الحركات الخاطئة وتبقى الحركات الصائبة عند الاستجابة للموقف ؟
وللاجابة على هذا السؤال بدأ ينقد قانون التكرار لواطسون واقترح قانون الاثر كقانون اساسي للتعلم .
نقد قانون التكرار :
من اقدم المفاهيم عن تكوين العادات مفهوم التكرار ، وقد استخدمه واطسون ومثالا عن ذلك بموقف تعلمي بسيط من النوع التمييزي في متاهة على شكل حرف t حيت يتوجه الحيوان إلى اليمين فيجد الطريق مفتوح أو إلى اليسار فيده مسدودا .
فاذا توجه إلى الطريق الخاطئ يكون عليه أن ينسحب ثم يتوجه إلى الطريق الصحيح . اما إذا حدث ان توجه إلى الجانب الصحيح من المتاهة فان المحاولة تنتهي ولا تحتاج إلى مزيد من النشاط .
ومن أهم جوانب القصور في تفسير واطسون لسلوك المحاولة والخطأ بقانون التكرار أنه لا يتفق مع الحقائق التجريبية ، ومن أهم هذه الحقائق أن المفحوص قد يمارس الارتباط الخاطئ عددا من المرات أكبر من ممارسة الارتباط الصحيح ، ومع ذلك فانه يتعلم الاستجابة الصحيحة.
فاذا كان مجرد تكرار الارتباط يؤدي إلى التعلم فان الحيوان يجب أن يتعلم الاستجابة الخاطئة ، لانها الأكثر تكرارا ، بدلا من الاستجابة الصحيحة الاقل تكرارا وهذا لا يحدث عادة .
والسؤال : لماذا يؤدي التكرار في بعض الأحيان إلى نتائج ايجابية وفي البعض الآخر إلى نتائج سلبية ؟
جاءت إجابة ثورنديك باقتراح قانون الأثر .
قانون الأثر :
ان ممارسة الارتباط بين المثير والاستجابة الذي يؤدي إلى الارتياح تقوي ذلك الارتباط ، بينما ممارسة الارتباط الذي يؤدي إلى عدم الارتياح إلى ضعف ذلك الارتباط .
وصفه ثورندايك بقوله "عندما يتم اقتران قابل للتعديل بين موقف و استجابة وتصحبه أو تتبعه حالة رضا أو ارتياح فإن قوة هذا الاقتران تزداد أما عندما يتم وتصحبه أو تتبعه حالة ضيق أو عدم ارتياح فإن قوته تتناقص. ويتم التعلم من وجهة نظر ثورندايك عن طريق ترابط آلي بين مثيرات تنقلها الأعصاب الحسية واستجابات ترد بها الأعصاب الحركية دون أن يكون للتفكير والشعور دور فيها.
ويلعب الأثر الطيب دوراً أساسياً في تقوية و تدعيم "المسارات العصبية" التي يحدث خلالها الارتباط كما أن الأثر غير الطيب يضعفها. وهناك تجارب أثبتت أن أثر الثواب والعقاب ليس متعادلاً ومتضاداً وإنما للثواب أثر أعظم من أثر العقاب ولقد كان لهذه النتيجة أهمية عظمى في عملية التعلم.
القوانين الاساسية الصغرى :
قانون التهيؤ او الاستعداد :
يحدد هذا القانون الأساس الفسيولوجي لقانون الأثر ويوضح الظروف التي يكون فيها الكائن الحي في حالة ارتياح أو في حالة ضيق. و ينص هذا القانون على أنه "عندما يكون رباط ما (وحدة عصبية) على استعداد لأن يعمل فالسماح له بالعمل يهبه الرضا والارتياح وعدم السماح له بالعمل يسبب له الضيق. أما عندما يجبر الرباط على العمل وهو غير مستعد لذلك فالنتيجة أنه يتضايق".
قانون التمرين او التكرار :
يتألف من شقين :
قانون الاستعمال وهو يقوي الروابط نتيجة استمرار الممارسة .
قانون الاهمال وهو يضعف الروابط نتيجة توقف الممارسة .
"عندما يتم اقتران بين موقف ما واستجابة معينة عدة مرات فإن قوة هذا الاقتران تزداد. أما عندما يهمل أو لا يستعمل الاقتران بين الموقف و الاستجابة فإن قوة هذا الاقتران تضعف". لكن ثورندايك سرعان ما تنبه إلى مواطن الضعف في هذا القانون وقد توصل إلى أن التكرار وحده غير كاف إطلاقاً لحدوث عملية التعلم بمعنى أن مجرد تكرار الحركات لا يؤدي إلى عملية التعلم ولذلك قال ثورندايك بأن قانون التكرار والأثر يعملان يداً واحدة.
قانون الانتماء :
إن الشخص يتعلم أسرع وبشكل أفضل عندما تتعلق الاستجابة بالمواقف وتنتمي إليها" أي عندما تكون أجزاء الموضوع المتعلم مرتبطة بعضها ببعض يكون تعلمها أسرع وأكثر ثباتاً عما لو كانت أجزاء الموضوع المتعلم غريبة عن بعضها ومفككة.
قانون الاستقطاب:
يسهل استخدام الارتباطات في الاتجاه الذي كونت فيه عن استخدامها في اتجاه مضاد. فإذا كنت قد تعلمت القاموس العربي الإنجليزي فمن الأسهل أن تستجيب للكلمة العربية بالكلمة الإنجليزية عما تستجيب للكلمة الإنجليزية بالكلمة العربية.
القوانين الثانوية :
قانون الاستجابات المتعددة :
اذا واجه المفحوص مشكلة أثناء الاستجابة فانه يجب أن يحاول مرة اخرى حتى تصدر استجابة اكثر ملاءمة ، اما اذا فشل المفحوص في تنويع الاستجابات فانه قد لا يتعلم أبدا.
قانون التأهب او الاتجاه :
ومن امثلة ذلك ان الطالب المتفوق يضايقه أن يحصل على درجة في الامتحان يتمنى الطالب العادي الحصول عليها ، ويرتبط هذا المبدأ بمفهوم مستوى الطموح .
قانون سيادة العناصر :
وفيه يرى ثورندايك أن الإنسان مزود بالقدرة على الاستجابة للعناصر السائدة في الموقف وبالتالي يميل الإنسان إلى الاستجابة إلى ما يبدو أنه قوي التأثير أياً كان نوع هذه القوة وأنه كلما زادت شدة المثير أو الموقف كلما زاد ميل الشخص للاستجابة له.
قانون التمثيل :
وهو الاستجابة عن طريق التماثل أو التشابه ."ويقصد به أن تعلم الشخص في موقف جديد يتوقف على مقدار تطابق أو اشتراك العناصر بين الموقف الجديد وموقف آخر سبق للشخص تعلمه". أي أن الشخص يستفيد من خبراته السابقة في تعلم المواقف الجديدة عن طريق إدراك علاقات التشابه بين الموقفين وهذا يعني مفهوم "التعميم".
قانون التحول الارتباطي :
"إمكانية نقل أي استجابة خاصة بموقف معين إلى موقف آخر أو لمثير جديد". وتكون النتيجة أن تظهر الاستجابة المعينة في ظروف أخرى غير الظروف و المواقف الأصلية الخاصة بها والتي كانت تظهر فيها.
وهذا ما يتشابه مع الاشراط الاستجابي عند بافلوف .
الاهمية التربوية :
في اطار القوانين الاساسية نجد ان ثورنديك يهتم بثلاث مسائل يستفيد منها المعلم داخل الفصل وهي :
1 – تحديد الروابط بين المثير والاستجابة التي تتطلب التكوين او التقوية او الاضعاف .
2 – تحديد الظروف التي تؤدي الى الرضا او الضيق عند التلاميد .
3 – استخدام الرضا او الضيق في التحكم في سلوك التلاميذ .
ويعتبر ثورنديك قانون الاثر القانون الاساسي في كل من التعليم والتعلم .
وكان هناك نقد حول العقاب في العملية التربوية مما أدى الى تحويل انتباه المربين عن العقاب الى الاهتمام بالثواب .
وأثناء التعلم بالمحاولة والخطأ يرتكب الشخص عادة الكثير من الأخطاء وخاصة في المراحل الأولى من تعلمه. هذه الأخطاء يتعلم الشخص تفاديها بعد ذلك أثناء المحاولات المتكررة. وقد وجد في حالات كثيرة أن ترك المتعلم يحاول بنفسه ويخطئ ويتعلم كيف يتفادى الأخطاء أكثر فائدة مما لو ساعد المتعلم على تجنب الوقوع في هذه الأخطاء.
المراجع
1- إبراهيم وجيه محمود ،التعلم "أسسه ونظرياته وتطبيقاته"، دار المعرفة الجامعية ،الإسكندرية،2005.
2- عبد الله سليمان ؛ زين رداديي ، علم النفس التربوي، مكتبة أبو عظمة، المدينة المنورة، 2024.
3- فؤاد ابو حطب ، علم النفس التربوي ،مكتبة الانجلو المصرية ، القاهرة ،2000.
4- جابر عبد الحميد (1999): سيكولوجية التعلم ونظريات التعليم، ط9، دار النهضة العربية، القاهرة، 1999.
5- رجاء محمود أبو علام (1986): علم النفس التربوي، ط4 ، دار القلم ، الكويت،1986.