في إحدى الغابات الفسيحة، حيث الهواء العليل، وأشعة الشمس الذهبية،
المنسابة عبر فراغات الأشجار الغصنية، والزهور البيضاء والبنفسجية،
وبكل الألوان الطيفية، نشأت بأكناف هذا المكان مملكة النحل الغير عادية في إنتاجها
ونشاطها ، في تضامنها وتعاونها، في تنظيمها المحكم ، من طرف ملكتها
الراشدة، ذات الجد والحزم ، والرفد والكرم.
كانت تحضى بحب ومباركة كل مجموعة النحل، حيث كل فرد يقوم بواجباته،
فقسم يقوم بإنشاء الخلايا، وقسم آخر يجمع الرحيق، وآخرون منشغلون بإنتاج
العسل…والملكة تسهر على سيرورة هذا النظام بالتحفيز والتشجيع، ولا تسمح
للعبث به من أي كان، كما تقوم بإنتاج البيوض الذين يصبحون فريق الإنتاج
المستقبلي، دائما تكد وتجتهد دون كلل أو ملل، تسعد لكل إنتاج جديد للعسل،
وبظهور عناصر جديدة من النحل، تتمنى أن تصبح مملكتها من أحسن المملكات.
لكن ما كان يعكر صفوها هو وجود عناصر متمردة ومشاكسة، يتسمون بالعبث
والفوضوية، محاولين إخلال نظام المملكة، وكل مرة تتصدى لهم بروية وحكمة،
ورغم ذلك لا تبخل عليهم بحبها وعطفها.
في يوم من الأيام ، قررت مجموعة المشاغبين مغادرة المملكة، مدعين
أن الملكة تظلمهم وتضيق عليهم الخناق، وتقهر حريتهم، فنفذوا فكرة تسللهم
من الخلية خلسة، وكانت المفاجأة كبيرة على الملكة، فهم أولادها وتحبهم
وتخاف عليهم.
قالت بحيرة وقلق: إلى أين ذهبوا كيف سيكون حالهم لن يجدوا الأمان خارجا؟
سأخرج أنا من المملكة إن كانوا لا يريدوني بها، وستكون لهم الفرصة للعودة
والعيش بأمان.
وغادرت المملكة والحسرة والحزن يقتلها لفراق أولادها، والصرح الرائع
الذي شيدته بكدها وتفانيها وحبها للمملكة.
لم يرها أحد وهي تغادر، ليصحو كل النحل في الصباح على نبأ اختفاء الملكة،
كانت مفاجأة قاسية عليهم، خيم ديجور الحزن على المملكة، وعم الخمول
والإحباط على مجموعة النحل المعروفة بالهمة والنشاط ، كانت تملؤهم الحيرة
والإحساس بالضعف ، فقد انهار الحصن الشامخ، الذي يشعرهم بالأمان