قال المفسر المعروف العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله رحمة واسعة و غفر له في تفسيره لقول الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }[الحجرات : 49]قال:
ثم مدح من غض صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن الله امتحن قلوبهم للتقوى، أي: ابتلاها واختبرها، فظهرت نتيجة ذلك، بأن صلحت قلوبهم للتقوى، ثم وعدهم المغفرة لذنوبهم، المتضمنة لزوال الشر والمكروه، والأجر العظيم، الذي لا يعلم وصفه إلا الله تعالى، وفي الأجر العظيم وجود المحبوب وفي هذا، دليل على أن الله يمتحن القلوب، بالأمر والنهي والمحن، فمن لازم أمر الله، واتبع رضاه، وسارع إلى ذلك، وقدمه على هواه، تمحض وتمحص للتقوى، وصار قلبه صالحًا لها ومن لم يكن كذلك، علم أنه لا يصلح للتقوى.
و ساق بن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية قصة أوردها الإمام أحمد في كتاب الزهد حدثت لثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه فقال : حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: كُتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه و أرضاه يا أمير المؤمنين، رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها، أفضل، أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل بها؟ فكتب عمر، رضي الله عنه: إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها { أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }.
قال الشيخ ربيع حفظه الله معلقًا على هذه القصة في كتابه رد المنكرات والأهواء منهج شرعي في كل الرسالات ص 7 : وهكذا من عرف البدع والشرك والباطل وطرقه فأبغضها لله وحذرها وحذر منها ودفعها عن نفسه ولم يدعها تخدش وجه إيمانه ولا تورثه شبهة ولا شكا بل يزداد بمعرفتها بصيرة في الحق ومحبة له وكراهة لها ونفرة عنها أفضل ممن لا تخطر بباله ولا تمر بقلبه.
أسأل الله أن ينفعنا بما علّمنا و أن يجعلنا من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى إن ربي لسميع الدعاء و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.