كثيراً ما يحتدم النقاش بين المختصين في مجال التربية وعلم النفس عندما يكون موضوع الحديث هو الثواب والعقاب ، وأثرهما النفسي والتربوي على الأطفال ، فبين مبالغ في الدور السلبي للعقاب ونفي أي دور إيجابي له ، نجد من يبالغ أيضاً في الأثر السحري للثواب ودوره اللامحدود في العمل التربوي ، إلا أنه والحال هكذا ، نجد الحيرة تعم جميع العاملين في المجال التربوي من معلمين وآباء وأمهات ومربيين … إلخ ، وكثيراً ما اشتكوا من عجز النظريات التربوية علىالجزم بالأمر والاتفاق على الأسلوب الأنسب للتعامل مع أطفالهم ، والإشْكالُ في تقديري لا يَكمن في النظريات التربوية ، بل يكمن في فهمنا لها ، وفي تطبيقاتنا العملية لمبادئها ، وأول سوء فهم لها اعتقاد الكثير من أولياء الأمور أن الثواب والعقاب ينحصران في الثواب المادي الصريح ، وفي العقاب المباشر [ الضرب ] ، وحقيقة الأمر أن العلماء قدّموا عدّة تصنيفات للثواب والعقاب منها القائمة التالية :
1- المكافأة أو المثوبة التي تتخذ طابعاً مادياً خارجياً صريحاً : وتتمثل في تقديم شيء ملموس مثل الجوائز المالية والمادية ، والميداليات ، والدرجات المدرسية ، والمدح اللفظي وغيرها مما يجعل الطفل يشعر بالرضا والارتياح .
2- النجاح الفعلي : وذلك بمعرفة المتعلم بالنتائج الإيجابية لأدائه والتي تظهر في نجاحه .
3- التلميح بالنجاح : ويتمثل ذلك في إشعار المتعلم بأن أداءه يتقدم وأنه إذا استمر في اتجاه النجاح فإنه سوف ينجح فعلاً .
4- التعبير الصريح عن الموافقة : حين يكون سلوك المتعلم من النوع الذي يتوقعه المعلم أو الوالد فإنه قد يظهر الموافقة أو التقبل ، ويؤدي هذا بالطفل إلى الشعور بالثقة بالنفس .
5- ملاحظة الطفل [ المتعلم ] ما يوجه للآخرين من مدح أو مكافأة دون أن يتلقى هو ذلك .
6- التجاهل أو الإهمال : وفيه لا يتلقى الطفل أو لوم أو مدح ولا يلاحظ ما يوجه للآخرين من ثواب أو عقاب ، كما لا يَعْلم أداءه ولا تقدم له أي معلومات .
7- ملاحظة المتعلم ما يوجه للآخرين من لوم أو ذم أو عقاب دون أن يتلقى هو ذلك .
8- التعبير الصريح عن عدم الموافقة : فحين يكون سلوك الطفل من النوع الذي لا يتوقعه الوالد أو المعلم فإنه قد يظهر الرفض أو الاعتراض أو عدم الموافقة .
9- التمليح بالفشل : إذا استمر الطفل في الأداء المنخفض ، فإن المعلم أو الوالد يخبره بأن عمله قد يؤدي به إلى الفشل ، وهنا قد نجد أن توقع الفشل يؤدي بالطفل إلى الشعور بالخوف منه مما يدفعه إلى بدل المزيد من الجهد .
10- الفشل الفعلي : إذا استمر الطفل في الأداء الضعيف فإن الوالد أو المعلم قد يطلب منه تكرار العمل أو يحكم عليه بالفشل .
11- العقوبة أو الجزاء : قد يلقى الطفل هذه المعاملة إذا خرق قواعد النظام أو تحدى القوانين وتكون العقوبة بالضرب أو الدم أو التوبيخ أو النقد … إلخ .
ويظهر التصنيف السابق أن الثواب والعقاب لا ينحصران في الثواب المادي والعقاب المادي بل ينقسمان إلى سلسلة من الأفعال التي تنسب إلى الثواب ، وأخرى إلى العقاب مروراً بالتجاهل أو الإهمال الذي هو لا بالثواب ولا بالعقاب.
وللثواب آثار إيجابية في التعلم من أهمها ما يولّده في المتعلم من حالات الفعالية سارة تدفع بالمتعلم نحو التعلم وتحسين الأداء ، كذلك يؤدي إلى تنشيط جهود المتعلم اللاحقة وذلك بسبب زيادة ثقة الطفل بنفسه وتشجيعه على المغامرة والمثابرة .
ويحذر رجال التربية من المبالغة في الثواب وبخاصة حين يكون على هيئة مكافأة خارجية مادية صريحة للأسباب التالية :
1- قد تتحول هذه المكافأة إذا بولغ فيها إلى نوع من الرشوة .
2- قد تقود إلى الانقياد والرضوخ إلى السلطة مصدر المكافأة لا إلى الابتكار أو النشاط الذاتي .
3- قد يكون الطفل اتجاهاً نفسياً من نوع ماذا سيعود على من هذا العمل ، أي أن قيمة النشاط في ما يتلوه من مكافأة ، ولعل مشكلة الغش في الامتحانات تظهر عندما تتغلب المكافأة الخارجية على عمليات الحصول عليها [ المكافأة ] وتصير القاعدة في السلوك هي الغاية تبرر الوسيلة ، فما يُلقيه أولياء الأمور من أهمية كبيرة على النجاح واعتبار نجاح أبنائهم نجاح لهم ، والمبالغة في المكافآت ، كل هذا وغيره قد يدفع الفرد إلى البحث عن النجاح بأي وسيلة حتى وإن كانت الغش . وهي الأسرع والأسهل بغية الحصول على المكافأة .
وعلى الرغم من الخلافات الكبيرة بين العلماء في جدوى العقاب أو خطورته ، إلا أنه يبقى من أدوات التعليم ووسائله ، على أنه ينبغي للمعلم أن يراعي القواعد التالية التي اقترحها المختصين في علم التربية حين يستخدم العقاب :
1- لا يكون للعقاب قيمة إلا إذا أدى مباشرة إلى تغير الاستجابة ، ومعنى هذا أنه إذا صدر عن الطفل استجابة خاطئة أو غير مرغوبة ، وعوقب عليها ، لابد من تشجيعه على إصدار الاستجابة الصحيحة أو المرغوبة ثم إثابته عليها بعد ذلك .
2- التمييز بين العقاب باعتباره " عدم مكافأة " نتيجة للفشل في التعلم من ناحية وبين معناه كعقوبة للخروج على القواعد الأخلاقية ، فلا أحد يدافع عن استخدام العقاب البدني أو المعنوي عندما يخطئ الطفل في التعلم، إنما يستخدم عندما يظهر الطفل الكسل المقصود أو الإهمال أو خرق السلوك الديني والأخلاقي .
ويجب أن ننبه إلى أ؟ن العقاب أقل توجيهاً للتعلم وإرشاداً لمساره من الثواب، فالعقاب يخبر الطفل أن استجابه أخرى يجب أن تصدر عنه ، ولكنه لا يخبره عما يجب فعله ، أما الثواب فإنه يشير بوضوح إلى أن نفس الإستجابة يجب أو يحسن أن تتكرر.
وأخيراً .. ينبغي ألا يقع المربي بين الإفراط أو التفريط في الثواب والعقاب ، وعلينا أن ننظر إليها باعتبارها تعزيزاً للسلوك ، الثواب معزّز إيجابي والعقاب معزز سلبي ، وهذا ما أكدت عليه المدرسة السلوكية في علم النفس ، وتستخدمه كطريقة علاجية فاعلة لبعض المشكلات السلوكية .