الرسمية ، والشعبية ، الفردية ، والجماعية .
إذ جاءت الروايات أن النبي – صلي الله عليه وسلم – كان إذا بعث بعثا أمر عليه أميرا ، وكان يختار هذا الأمير على أساس حفظه من القرآن حفظا ، وفقها ، وعملا .
روي الترمذي والنسائي ، وابن ماجه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه– أنه قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم – بعثا ، وهو ذوو عدد، فاستقرأهم ، فاستقرأ كل واحد منهم ما معه من القرآن ، فأتي على رجل من أحدثهم سنا ، فقال : " ما معك يا فلان ؟ " " : قال معي كذا وكذا ، وسورة البقرة ، فقال : " أمعك سورة البقرة ؟ " قال نعم ، قال : " اذهب فأنت أميرهم" .
وعند جمع القرآن في عهد أبي بكر ، وعثمان – رضي الله عنهما – كانت إمارة اللجنة المكلفة بتنفيذ ذلك الجمع في يد زيد بن ثابت ،
لأنه كان من كتاب الوحي المعدودين على عهده – صلى الله عليه وسلم – فضلا عما كان يتمتع به من أنه شاب جلد قوي يتقن أكثر من لسان ويعرف أكثر من لغة .
ثم كان التشجيع المستمر في عهود الدولة الإسلامية المختلفة من عصر الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا .
وأعظم ما يدل على ذلك الوقف بكل أشكاله وصوره ،
والذي تمثل في المدارس الإسلامية المنتشرة في كل حواضر العالم الإسلامي من مكة والمدينة ، والكوفة ، والبصرة ، وبغداد ، ودمشق ، والقاهرة ، والقيروان ، وسبتة ، وطليطلة ، وقرطبة ونحوها ،
ومنها مدارس للقرآن وللحديث ، وللفقه بمذاهبه الأربعة المشهورة ، وللعربية بكل فروعها ، وغير ذلك من الفنون ،
وكتاب : " الدارس في تاريخ المدارس " لعبد القادر ابن محمد النعيمي ت 978هـ ، وكذلك كتاب : " منادمة الأطلال ، ومسامرة الخيال " للشيخ عبد القادر بن بدران ت 1350هـ
، وكتاب : " الحياة العقلية والأدبية في مصر والشام أيام الحروب الصليبية " للدكتور أحمد بدوى ،
وغيرها من الكتب تتضمن إحصاء دقيقا لهذه المدارس ،
بل توفير المقرئين ، والمؤدبين ، وتيسير سبيل أخذ القرآن ،
مع بسط العيش الرخى لكل من الطلاب والأساتذة والعاملين ،
مما شجع على العناية بالقرآن في أشكال وأساليب لا حصر لها ،
وكتاب " معرفة القراء الكبار " للذهبي ت 748هـ و " طبقات القراء " للجزري شاهداً صدق بذلك .
وبعد التوسع في دور القرآن ، وما تحتاج من مدرسين ، ونفقات ،
وكذلك عقد المسابقات ،
وبذل المكافآت المجزية ،
وإقامة المؤتمرات ،
والتشاور حول أنجح وأفعل أساليب العناية بالقرآن ،
وتحويل ما ينتهي إليه هذا التشاور إلى واقع عملي يتحرك في دنيا الناس .
يعد ذلك كله من التشجيع المستمر الذي دفع بالمسلمين إلى العناية بالقرآن الكريم .
وبعد فقد كشفت لنا هذه الدراسة عن عدة نتائج :
الأولى : أن القرآن الكريم لقي من المسلمين على مدار التاريخ الإسلامي كل عناية واهتمام :
حفظا وتلاوة ، وفهما وتدبرا ، وتنفيذا ، وتطبيقا ، وإبلاغا ، وحماية من كيد الكائدين ، وعبث العابثين ،
متحدين بذلك كل محاولات الأعداء من أجل صرفهم عن هذا القرآن
الثانية : أنه كانت هناك دوافع كثيرة وراء هذه العناية ، وذلك الاهتمام ، ومنها :
(1) الاستجابة لدعوة الله والرسول .
(2) بلاغة القرآن وفصاحته .
(3) تجاوب القرآن مع الفطرة السليمة ، والعقل الراشد .
(4) شفاء القرآن لما في الصدور.
(5) وفاء القرآن بكل حاجات ومطالب الإنسان.
(6) دعوة القرآن إلى التفكير والتأمل .
(7) رفع القرآن قدر الإنسان ومكانته .
(8 ) سلامة القرآن من الاختلاف والتناقض )
(9) توقف الدخول في علم أو علوم أخرى على القرآن .
(10) الحرب الضروس المعلنة من الأعداء على القرآن الكريم وأهله .
(11) التشجيع المستمر على كافة المستويات.
الثالثة : إن هذه العناية مازالت مستمرة حتى يومنا هذا ؛ إذ يقول الله تعالى
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ]
ولكنها بحاجة إلى من يزكيها ويقويها ، لتأخذ شكلا أعمق وأوسع مما هى عليه الآن .
لاسيما والفتن والخطوب أحاطت بنا من كل جانب ، ولفتنا من كل ناحية ،
هذا وإذا كان لنا من مقترحات ، وتوصيات في هذا المجال ، فإننا نجملها على هذا النحو :
(1) الإكثار من المؤتمرات ، والندوات التحليلية التي يكون محورها القرآن الكريم :
مرة حول ( أنجح أساليب الحفظ وإتقان التلاوة )
ومرة حول ( عموم وخصوص الخطاب القرآني )
ومرة حول ( مشكل القرآن )
ومرة حول ( خصائص القصص القرآني )
ومرة حول ( التشريع في القرآن )
وهكذا ؟
(2) تلخيص نتائج هذه المؤتمرات والندوات ، وطبعها مع مفكرة الجيب ،
ومع التقويم السنوي ، ومع الأدعية ، والأذكار ،
بل عمل بوسترات ضخمة في الميادين العامة ، وفي مدخل الشوارع ، والمؤسسات ونحوها ،
بل تصميم لوحات ضخمة وبيعها بسعر رمزي لتعلق داخل البيوت ، والدواوين
فتبقى مذكرا للناس بقيمة وفضل وعظمة القرآن الكريم .
(3) التوسع في المسابقات القرآنية وبذل مكافآت مجزية للطلاب والأساتذة ،
ووضع أسماء الفائزين في لوحات شرف تتصدر أحسن وأجمل الأماكن والميادين .
ولعل أفضل هذه المكافآت رحلات الحج والعمرة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
يعطيك الف عافيه على الموضوع الرووعه
دمت ودام قلمك