أختي الكريمة: هل فكرت في رسم طريق آمن للنجاح في حياتك؟!.. في أعمالك؟!.. في دراستك؟!.. في كافة شؤوننك؟!
هل حاولت الوقوف على أسباب التوفيق؟!
هل أدركت لماذا يوفق أناس في أعمالهم بينما يخفق آخرون؟!
سنتطرق هنا إلى مفهوم النجاح، ونبين طريقه وعوائقه.. فما معنى النجاح في حياة المسلم؟
النجاح في حياة المسلم
أختي الكريمة: اعلم أن مفهوم النجاح في حياة المسلم مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعقيدته ومنهجه في الحياة؛ فنجاح المسلم في أموره الدنيوية لا ينفك بحال عن فلاحه وتوفيقه في أمور الآخرة؛ فبينهما ترابط تستلزمه عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر.
فالمسلم لا يطمح إلى متاع الحياة الدنيا ضارباً بعرض الحائط حظه في الآخرة؛ لأنه يدرك أنه مهما نجح في دنياه على حساب آخرته، فهو في النهاية خاسر، وإنما العبرة بالخواتيم، قال تعالى:
{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر: 15].
وقال سبحانه: {وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ} [الرعد: 26].
أختي: ومن هنا لابد أن تدرك أن نجاحك في الحياة لا يمكن أن يكون حقاً نجاحاً إلا إذا كان في طريق يرضاه الله، بحيث لا يكون وبالاً عليك في المال.
ولن يكون كذلك إلا إذا جمعت بين شيئين عليهما مدار النجاح في الدنيا والآخرة:
الأول: همة تدفعك إلى السعي وراء الأسباب.
الثاني: تقوى الله التي بها تنجو من العـذاب.
فالهمة تولد في نفسك حرارة الطموح إلى معالي الأمور دينية كانت أم دنيوية، وتقوى الله توجه لك الهمة وتضبطها بالاستقامة، والالتزام، بحيث يكون نجاحك حجة لك عند الله لا عليك.. وإليك أخي أسباب النجاح وطريقه:
وسائل النجاح
أولاً: الإخلاص: فهو بركة الأعمال ومفتاح نجاحها، لذا أخي الكريم لا غنى لك إذا أحببت أن تنجح في أعمالك بل في حياتك كلها إلا أن تصلح نيتك في كل شيء وأن تجعلها على ما يريده الله جل وعلا، قال صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [رواه البخاري].
ومهما يكن هدفك في الحياة ومرادك من عملك فإنك إذا قصدت به نفع نفسك يكن هدفك في الحياة، ومرادك من عملك، فإنك إذا قصدت به نفع نفسك تقوية لها على الطاعة أو نفع المسلمين، ونويت شكر الله جل وعلا ذلك فإنك تطرق بذلك سبباً من أسباب القبول، لأن إرادة وجه الله بالأعمال موجب لمحبة الله سبحانه وتعالى ومحبة الله هي مفتاح القبول كما جاء في الحديث حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في أهل الأرض» [رواه البخاري].
فعالج أخي نيتك.. وانظر ما الذي تريده من عملك؟، وما الذي تهدف إليه من دراستك؟!
فإن وجدت نيتك من ذلك مشروعة فالزمها فهي مفتاح القبول..
وإن وجدت في نيتك شوب حب للسمعة والشهرة، والرياء والعجب والتكبر والخيلاء..فأصلح نيتك فإنما تحبط الأعمال بالنية السوء.. قال صلى الله عليه وسلم: «من تعلم علماً مما يبتغي به وجه الله عز وجل، لا يتعمله إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة»
فأخلص أخي نيتك يوهب لك القبول، واجعل من حسن قصدك النجاح نجاحين، نجاح في الدنيا وآخر في الآخرة.
ثانياً: لا تجعل نجاح الدنيا كل همك: بل عش فيها كالغريب.. وتبلغ بالنجاح فيها إلى النجاح في الآخرة {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى} [سورة الضحى: 4].
هب أنك ملكـت الأرض طــراً *** ودان لك العبـاد فكان مـاذا
أليس غداً مثواك جوف قبرك *** ويحشو الترب هذا ثم هذا
فلا تجعل همَّك: في الدنيا.. وفي متاعها..فتبذل لأجل ذلك كل جهدك.. وتنسى حظك من الآخرة فإن ذلك سيسد عليك أسباب التوفيق..فتزداد شغلاً وتحرم قطف الثمار.. في الحديث قال رسول الله صلى عليه وسلم: «من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همَّه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدَّر له» [قال الألباني صحيح لغيره].
أيها المتعب جهداً نفسـه *** يطلب الدنيا مريضاً جاهداً
لا لـك الدنيــا ولا أنت لهـا *** فـاجعـل الهمين همًا واحدًا
وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: "إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده تحمل الله عنه سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته، وإن أصبح وأمسى والدنيا همه، حمله الله همومها، وغمومها، وأنكادها، ووكله إلى نفسه، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحوش في خدمة غيره، فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته، بلى بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته".
وفي الحديث أيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جعل الهموم همًا واحدًا همَّ المعاد، كفاه الله سائر الهموم، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك» [حسنه الألباني].
فلا تجعل أخي كل همك في نجاحك في الدنيا..فالمال فيها سيفنى والمنصب فيها سيبلى والجاه فيها سينتهي ولا يبقى إلا العمل الصالح ففيه فليكن أكبر همك..وقد وعدك الله إن كنت كذلك بشيئين:
الأول: أن يكون لك بكل خير أسرع.
الثاني: أن يكفيـك سائـر الهمـوم.
وهذا كله يجمعه قول الله جل وعلا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
فالحياة الطيبة.. هي عنوان النجاح؛ لأن المقصود من الأشياء نفعها.. ولا يرجى من النجاح إلا السعادة وطيب الحياة.
حتى متى أنت في حـل وترحال *** وطــــول سـعــــي وإدبــــار وإقـبـــال
ونــازح الــدار لا ينفعـــك مغتـــرباً *** عـن الأحـبـــة لا يــــدرون بــالحــــال
بمشـرق الأرض طوراً ثـم مغربها *** لا يخطر الموت من حـرص على بال
ولو قنعت أتاك الـرزق في دعـــة *** إن القنــوع الغنــــى لا كثـــرة المـال
ثالثاً: تقوى الله: فهي مفتاح كل خير، وكفاية من كل شر، قال تعالى:
{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3]؛ فهي مخرج الكروب، ومفتاح الأرزاق، وقال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق: 4].
قال ابن كثير رحمه الله: "أي: يسهل له أمره ييسره عليه، ويجعل له فرجاً قريباً ومخرجاً عاجلاً".
أختي الكريمة: فاجعل من التقوى مفتاح نجاحك في الأمور.. تدبر أمره اعمل به، ييسر لك أمرك، اجتنب نهيه يجنبك الفتن والمهلكات، كن لعباده بالإحسان، يكن لك بالعون والسداد..تقرب إليه بصالح الأعمال يكن إليك بكل خير أسرع..توكل عليه في أمورك يكن كافيك في كل مهامك، قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3].
أخي..تذكر أنك إلى الله فقير..وأنه وحده يدبر الأمر..يطعم الأنام..ويكسوهم {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} [الملك: 21].
وهو الذي يحفظهم ويكلؤهم بالليل والنهار، وهو الذي يحفظ عليهم حياتهم ووجودهم وكل الخلائق تفتقر إليه، فلا تنس أنك مفتقر إلى عونه في حاجة لتوفيقه وأن اجتهادك مهما كان شأنه إن لم يكن فيه بركة من الله فلن يثمر، كما قال الشاعر:
إذا لم يكن عون من الله للفتى *** فأول ما يقضي عليه اجتهاده
رابعاً: كن عالي الهمة: أخي.. فإذا عزمت على سلوك طريق النجاح في حياتك، متوكلاً على الله، مستعيناً به، متقياً أمره جاهلاً همك في المال..فاعلم أن الله جل وعلا قد جعل في الحياة سنناً ثابتة.. ومن سنة الله في الحياة: المكابدة، والمجاهدة، فما من حي إلا وهو مضطر لمغالبة وكبد لأجل البقاء والحياة؛ فكل حي يكابد شاء أم أبى شدائد الحياة.. يكابد عيشها، وجوعها، وحرها، وبردها، وعناءها، بحسب ما لديه من الهمة والقوة والعزم والتوفيق.
قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]… أي: يكابد مضايق الدنيا وأمور الآخرة؛ فاكتساب الآخرة، يحتاج منك إلى صبر وجهاد وكبد.
واكتساب الرزق والمعاش، يحتاج منك إلى كبد..واكتساب العلم، يحتاج منك إلى كبد..وما من صاحب هدف في هذه الحياة إلا وهو مضطر إلى بذل الجهد لتحقيقه.. ولا ينال المنى بطال!
وهنا تظهر قيمة الهمة العالية.. فصاحبها هو صاحب الشأن فيما يهدف إليه.. لا يقنع بالدون أبداً.. وخلاصة هدفه: أن يعيش كريماً.. ويموت كريماً.. ويبعث كريماً في الآخرة.
أخي.. واحذر أن تعلي همتك..وتخف بدينك..تطمح إلى الجاه، والمال، والمنصب، والرئاسة..وتهدم دينك..فليست هذه الهمة العالية، وإنما هو الشح المطاع الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ذئبان ضاريان ظلا في غنم أضاعها ربها بأفسد من طلب المسلم المال والشرف لدينه» [صححه الألباني].
ومن ينفق الأيام في جمع مالـه*** مخافة فقر فالــذي فعـــل الفقـر
ولا تحسبن الفقر فقر من الغنى*** ولكن فقر الدين من أعظم الفقر
فعلوا الهمة محمود ما دام طموحاً يرضاه الله ولا يضر بدينه، فهذا الذي تحمد فيه الهمة وتكون أقوى أسباب النجاح، يقول ابن الجوزي رحمه الله: "من أعمل فكره الصافي، دله على طلب أشرف المقامات ونهاه عن الرضا بالنقص في كل حال، وقد قال الشاعر:
ولم أر في عبيوب الناس عيبًا *** كنقص القادرين على التمام
فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه، فلو كان يتصور للآدمي صعود السموات، لرأيت من أقبح النقائض رضاه بالأرض! ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد، رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض، غير أنه إذا لم يكن ذلك، فينبغي أن يطلب الغاية في العلم، ومن أقبح النقص التقليد، فإن قويت همته رقته إلى أن يختار لنفسه مذهباً ولا يتمذهب لأحد، "فلا تخلد إلى كل كسل، فما فات ما فات إلا بالكسل، ولا نال من نال إلا بالجد والعزم، وإن الهمة لتغلي في القلوب غليان ما في القدور" (صيد الخاطر ص286).
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت من مرادها الأجسام
خامساً: حسن التدبير في الأمور: وذلك بالتخطيط المستمر والتنظيم الدؤوب وحسن الاستفادة من الوقت والفراغ واجتناب اتخبط والفوضى فإن الإنسان أي انسان لو استطاع تقسيم جهوده على أوقاته بدقة وتنظيم، معطياً للأهداف المهمة جهداً ووقتاً أكبر من الأعمال التي تقلها أهمية لكان النجاح حليفه ولابد ..وهذ لا يتأتى إلا لحكيم يضع الأمور في نصابها الصحيح… {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}، وتأمل أخي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» [رواه البخاري]… ففي هذا الحديث دليل على أن للوقت والهمة العالية دور كبير في الإنجاز والنجاح..
وأن تعطيل الجهد وتضيع الأوقات فيما لا يعود على المسلم بالنفع غبن من وجهين:
الأول: أنه غبن أخروي لأن حسرة أهل الآخرة حاصلة على كل لحظة لم يذكروا الله فيها فكيف بلحظة عصوا الله فيها!
الثاني: غبن دنيوي فإن الإنسان الذي يضيع أوقاته سبهللاً لابد وأن تفوته مصالح كثيرة.
على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغــار صغارهـا *** وتصغر في عين العظيم العظائم
قال يحي بن معاذ: "المغبون من عطَّل أيامه بالبطالات، وسلط جوارحه على الهلكات، ومات قبل إفاقته من الخبايات".
وقال أحد السلف: "الليل والنهار يعملان فيك فاعمل أنت فيهما".
وقال أبو العباس الدينوري: "ليس في الدنيا أعز وألطف من الوقت والقلب وأنت مضيع للوقت والقلب".
أخي.. فكن حكيماً في تنظيم أعمالك..محاسباً لنفسك على أوقاتك محدداً فيها مسؤولياتك تجاه ربك.. ونفسك وأهلك.. وواجباتك الدنيوية.. فإنك إذا أحسنت إدارة أمورك بالتنظيم والتخطيط والمحاسبة أصبت ونجحت في معظم أعمالك.
لا تسوف أعمال اليوم إلى الغد..ولا تنم وقت الواجبات..ولا تيأس في الأوقات الحرجة.. واعلم أن الإصرار طريق الانتصار.. وأن الصبر مفتاح الفرج وكن كما قال الشاعر:
قـلب يطـل على أفكـاره ويد *** تمضي الأمور ونفس لهوها التعب
وكما قال آخر:
وما كنت ممن نال الملك بالمنى *** ولكـن بـأيــام أشبـن النـواصيــا
لبست لها كـدر العجــــاج كأنمـــا *** ترى غير صاف أن تر الجو صافياً
لا تصاحب أهل التقاعس والكسل.. فإن صاحبتهم فعلى خوف منهم ووجل.. ولا تنظر إلى متعة أهل البطالة فإنما هم في طريق فشل لا تظهر لك بوادره.. وانظر إلى أهل الجد.. اقرأ في التاريخ سيرهم .. واسأل عن أخبارهم تجدهم قد شغلوا أنفسهم بأنفع الأعمال وأصلحها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.