يا الله : جدران القلب تتكلم امتنانا لعظيم آلآءك وخيراتك .. تفوح على الدنيا القاحلة ،فتؤول من جرداء إلى بساتين زهيّة
تعجّ بطاقات الزنبق، تضفي على القلب رَوْحا وريحانا .. فتقيم في النفس حفل سرور بأعظم قيم الحياة ..
إنه الرضا ..
تلك النسمة الأمل … تزور كل القلوب .. فمنهم من يفتح بابه، فيغدو ملكا وهو يعيش على الحصير …
ومنهم من يغلق باب قلبه ،فيغدو أسيرا وهو يرفل بين طيّات الخمائل …
لو أن القلب يتكلم لجاد في وصف بهاء السحر … نعمة هي للروح خاصة .. لقاء الحبيب مع الحبيب ..
فالنظر إلى السماء … واستلهام فيوضات الأفق … والانصات لسكون الهدوء .. واستنشاق نسمات ليله العجيبة ..
فتغمض عينيك .. وتنسى الكدّ وترّهات النهار .. وتستسلم لعبير المحيط .. عندها ستشعر بما وراء الحياة ..
وستنسى وأنت بين يدي الله تناجيه، وتبثه أوهاق صدرك ،وأوجاع روحك ..
ستنسى وساوس الذاكرة .. وستسلو نزف القلب .. وستهدأ أعصاب الكهرباء التي حملتها في النهار ..
ستبوح له – سبحانه – بكل شيء .. هو يعلم كل شيء..
ولكنك تجد راحة هانئة وأنت تقول أحلامك.. وأنت تبكي جراحك .. وأنت تناجي بأسرارك .. وأنت تطلب آمآلك ..
لا تلبث بعدها أن تشعر بغسيل طاهر لفَّ قلبك .. فاللحظات بين يدي الله تقاس بالأمن لا بالساعة ..
لطالما فاضت على النفوس أيدٍ ملائكية ، مرسلة لك خاصة من عند فاطرك الذي يحبك ..
ففي أزمات الحياة ، وفي أشد لحظات الضجيج ، تشعر بأن خطأ ما اعتراك أو إحراج أو صعوبة قد ترتقي لوعورة ..
أو كثير من المواقف التي تؤلمك ، تزعجك ، تحرجك .. تحيرك .. تلوذ دقيقة وحدك وأنت بين الألوف من حولك
وتقول بسرّك : يا رب .. أنقذني مما أنا فيه .. يا رب.. ليس في الوجود رب سواك فأدعوه ..
وليس في الكون إله غيرك فأرجوه .. يا رب ..
فتأتيك جنود النصر على عجل.. فتقلب المواقف لتصبح معك .. بعد أن كنت حبيس لحظة باهظة التكاليف ..
كادت ترميك، وتودي بك حيث تكره ..
معية الله تقول لك من بعيد : أنها تحبك ،لا تدع وحيدا في الغاب البعيد ولا القريب ..
فكم منا قد شعر بالغربة بين أهله وأحبابه ..والنزف من اللصيق الحبيب .. فتأتيك مسحة دافئة من المعية..
فتشعر بالزهد للأرض ومن عليها .. فأنت مع الله ..
لو أن القلب يتكلم لأفصح بالمقل لا بالحبر عن حاجته الدائمة لسيده ومولاه .. ففي لحظات الضيق والاختناق
تبدأ بترتيل بعض الآيات .. دقائق معدودة .. حتى تشعر بأوصالك الممزقة قد تلاحمت .. وبتناثر قلبك قد تلملم ..
فتشبّ النفس بعد أن كانت هرمة .. وتتحول الروح إلى مسجد عامر بلطف الحياة وطيبها بعد أن شاخت ،
وتغدو أحاسيس القرب من الله وقودا للدم تفور، وتقوي البدن والقلب والكيان ..
لو أن القلب يتكلم لوصف قطرات الندى تزورنا من أعالي السماء.. وهي تعمل بلسما مكان الأذى والحرق
اللذان من شدتهما أصابا مواقع الشعور، فكشفا عن أزمات وقروح، لولا تلك الأزاهير من رب الكون الودود
لبقينا في الهاجرة نقاسي .. زمنا طويلا ربما لن ينتهي .. إنها عطور المحبة،تتناول الأسرار بين الله والعبد
فتعلنها على وجه العبد .. فيغدو كائنا له ظلال وارفة عبقة حيثما حلّ ..
تشعر أنه قلب يتحرك ،وينثر أريجه بين الأراواح،ووسط القلوب، وبين أركان البيوت ..
فتراه من بعيد لا تعرفه .. وتقول ليته يقترب .. فإذا ما اقترب تقول : ليته لا يغادر ليته ..
ليته يغدو صديقا فعن مثله أبحث .. فهو ينفع ويرفع .. ويبقي العطر في قلبك زمنا لا يغادر ..
لو أن القلب يتكلم لملأ البوادي والفيافي سعادة وحبورا.. لما يتخلل عروقه من عذوبة القرآن ولطيف معانيه ..
فما بين التقلب بين روعة سوره وطيب آياته،ينقضي العمر، ما فتأ يحاول النهل من تلك التجليات العقلية ،والطمأنينة القلبية
.. فتتبين أن للقلب واجبات .. وللعقل واجبات .. تصنع إنسانا ذو أخلاق بكل معالم حياته ..
حتى ابتسامته ذات أخلاق .. وله ضفاف تجري به مع كل مقام، تُخرج إنسانا ذوّاقا هادفا دافئا منتجا ..
تسري به روح القرآن .. وينبض من جنباته سمو السماء ..
وجه يشي بقصص وحكايا مع ليل القرآن .. هم أهل القرآن ..أطايب.. في كل ركن تجد طيبهم ..
لو أن القلب يتكلم لقال بكل ما حوت الأرض من حب وامتنان:
يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك