حق المُتعلِّم على المُعلِّم 2024.

لما كان التعليم رسالة شريفة، ومسؤولية ثقيلة، وحِرفة عظيمة، ولما كان المقصود به حفظ الفطرة وتربية العقل وشحذ الهمة وإعداد القوة فإنه واجب على من يتصدى لهذه المهمة الجليلة أن يقدرها قدرها ليوفيها حقها ويبلغ أمانتها. ومما لا تتحقق هذه المقاصد إلا به نذكر: واجب المُعلم تجاه متعلميه أو الأستاذ تُجاه تلاميذه، مادام الأستاذ هو "واسطة عقد المنظومة التعليمية التربوية" و "المربي القدوة" في فصله وحيه وسربه وأمته.

إن للمتعلم على من يُعلمه مجموعة من الحقوق واجب عليه أن يستوفيها وأن ينهض بها بصدق وكفاءة حتى يؤدي التعليم رسالته الخالدة والحاسمة في قيام الأمم ورخاء الدول. فما هي هذه الحقوق التي على عاتق أهل التعليم؟ أو قل ما هي الواجبات التي ينبغي ألا يغفلها المعلم وهو يؤدي تكليفه؟

من ذلك نذكر أنه:

– من حق المتعلم على المُعلم أن يحافظ له على صفاء فطرته أولا، والفطرة الإسلام. فلا يلوثها بالشكوك والظنون والتخمينات التي أفرزتها وتُفرزها الثقافات العامرة بالسموم. خاصة في زمننا التي تُلصق فيه القيم التافهة بمصطلحات سحرية رنانة تُسَوقها عل أنها الحضارة والتقدم والحداثة…
– من حق المتعلم على المُعلم أن يتعاون مع والديه على تربيته وتعليمه بما يفيده في العاجل والآجل، درءا للتجاذبات التي تقع بين الآباء الذين أرسلوا أبناءهم ليتعلموا العلم النافع مع الأخلاق الفاضلة، وبين المعلمين الذين يلقنون الناشئة المعلومة العلمية مقطوعة من التربية ومفصولة عن حُسن الخُلق.
– من حق المتعلم على المُعلم أن يكون الأخير قدوة صالحة مُصلحة، أُنموذجا في خُلقه، مثالا للخير والحق والعدل والعلم والأمانة. يشع بأدبه قبل علمه، قال الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه: "لما أرسَلَتني أمي إلى التعليم، أوصَتني بقولها: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمِه".
– من حق المتعلم على المُعلم أن يكون مُتقنا لحرفته، كُفئا في تخصصه، مُحبا لمادته ومُحببا إياها للمتعلمين بمهارة وفعالية ونجاعة. ملتزما -إلى جانب الخبرة التعليمية والبيداغوجية- بما يسمى "أخلاق المهنة".
– من حق المتعلم على المُعلم أن يكون قادرا على التواصل مع متعلميه، عارفا بفروقهم واختلاف مستوياتهم، نافذا بحكمته إلى وجدانهم كي يستحث فيهم القدرة على التزود لآخرتهم مع حفزهم على اكتساب آليات التقدم المعرفي والإبداعي، والموازنة بين نموهم الفكري والروحي والعاطفي بشكل دائم ومتكامل.
– من حق المتعلم على المُعلم أن يظل حريصا على التعاون مع تلاميذه من أجل التكيف الإيجابي مع وضعياتهم، في أفق تغييرها من السيئ إلى الحسن ومن الحسن إلى الأحسن. وتنمية الشعور بالمسؤولية عن الحاضر وعن المستقبل. وذم أخلاق الاستقالة والجبن والانبطاح.
– من حق المتعلم على المُعلم أن يظل أمينا فلا يُخفي على التلاميذ سلبيات الواقع الذي يعيشونه، فأمانة الدلالة على الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يُسقطها خوف الأستاذ أو ضغط الخارج أو لامبالاة المجتمع…
– من حق المتعلم على المُعلم الربط بين الجانب المعرفي والواقع الذي يعيشه التلميذ حتى يستوعب مختلف الظواهر الاجتماعية ويرصد كيفيات معالجة السلبي وتطوير الإيجابي، فواجب على المعلم ألا يطمس الواقع أو يؤوله تأويلا إيديولوجيا أو يبرره أو يغلفه بمقولات سياسوية مُضللة.
– من حق المتعلم على المُعلم أن يحرص المعلم على تعليم التلميذ كيفيات القراءة والتحليل والتركيب والنقد عوض التلقي البارد لحشو الذاكرة بكم هائل من المعلومات وكفى.. فمن حق التلميذ أن يستقل برأيه وأن يستدرك على الأستاذ وأن يصحح خطأه ويناقشه ويعارضه… فالأستاذ يُحترم لكن لا يُقدس.
– من حق المتعلم على المُعلم أن يدربه على الجمع بين دراسة الشكل ودراسة المضمون، المعلومات والمعارف مع الكفايات والمهارات، حتى يستطيع التلميذ أن يكون عضوا إيجابيا في وسطه المجتمعي، في أمته، وفي الإنسانية. مشاركا لا متفرجا.
– من حق المتعلم على المُعلم تعليمه التفكير المنطقي النقدي البناء الذي يتجاوز كل أنواع التفكير الانغلاقي والسطحي والتجزيئي والساذج، فينبغي أن يتدرب المتعلم عل استعمال التفكير العلمي السببي الذي يبني النتائج عل المقدمات عبر الاستدلال السليم. فـ"إذا أدى الأستاذ واجبه تجاه متعلميه فسيؤدي "تعلم التلاميذ التفكير المنطقي السليم ومواظبتهم على القراءة بعقل نقدي وقادر على التمييز، إلى جعل الشعوب مستقبلا يرفضون الانقياد وراء حكامهم المتهورين" (1)
– من حق المتعلم على المُعلم تعليمه حُسن استعمال الأمثلة وتوظيف الوقائع والأحداث بشكل موضوعي (ما أمكن)، يراعي الربط السليم والمناسب والأمين بين المثال والموضوع المدروس.
– من حق المتعلم على المُعلم أن ينمي فيه الروح الجماعية وقيم التعاون والمحبة والتسامح والتضامن، ونبذ قيم الفردانية والأنانية والعزلة والكراهية والانتقام.
– من حق المتعلم على المُعلم تعليمه كيفية البحث الفردي (الاعتماد عل النفس) والجماعي (عبر مجموعات الفصل)، وفق خطط محكمة: اختيار الموضوع، وضع التصميم، جمع المادة، التوثيق، الأمانة العلمية، التحرير، التحليل، التركيب، الإلقاء، الحوار، الاستدلال…
– من حق المتعلم على المُعلم أن يدربه على الحوار في حل مختلف القضايا المستشكلة عليه سواء كانت نظرية أو عملية، وذلك باعتماد طرائق البرهان والحجاج من أجل الإقناع وتجنب الخطاب المتعصب والمستبد، فالمعلم الرسالي لا يحتقر أجوبة التلاميذ ولا يرفضها ولا يقمعهم إن أخطئوا، بل يعالج خطأهم من حيث تشجيعهم على المبادرة ومحاولة التفوق…
– من حق المتعلم على المُعلم أن ينمي فيه القدرة على الجمع بين العقل والعاطفة، وعدم الانسياق مع المواقف المتطرفة باسم العقلانية أوتلك المواقف المختلة باسم العواطف والأهواء… الوسطية رِفعة وفعالية. والإنسان إنسان بمجموعه.
– من حق المتعلم على المُعلم تجاوز تقنية التلقين التقليدي الأحادي الجانب: من الأستاذ إلى التلميذ فقط، فقد ثبت أن هذا العمل يكرس التخلف والتقوقع حول الذات ويقتل المبادرات ويكبت الطاقات، ويمنع تعلم التفكير النقدي الحر والمسؤول.
– من حق المتعلم على المُعلم تربيته على الاحترام والاختلاف والرفق وقبول رأي الآخر مهما كان مُخالفا وعدم استفزاز باقي الزملاء في الفصل أو خارجه، وعدم استعمال العنف اللفظي والمادي والرمزي في حق زملائه.
– من حق المتعلم على المُعلم أن يجيبه على الأسئلة التي تخطر بباله، وأن يساعده على حل الإشكالات التي تواجهه، سواء في فصل المدرسة أو في الأسرة أو في المجتمع. شرط أن تتصف هذه الأسئلة بالجدية والجدوى.
– من حق المتعلم على المُعلم تربيته على العمل والإنجاز لا على الكلام العاجز والكسل والتراخي، فالأمة ليست في حاجة إلى علماء كلام ملتهبين يُتقنون "الهدْرولوجيا" ثم ينصرفون عاجزين. وإنما هي في حاجة إلى نماذج وخطط وإنجازات ميدانية قابلة للقياس والتطوير. {يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون؟}.
– من حق المتعلم على المُعلم التربية على حُسن الظن والمعاملة الحسنة مع الوالدين والجيران والأساتذة والأطر التربوية والإدارية، والناس أجمعين، والتوازن بين طلب الحق والقيام بالواجب. تجنبا لآفات التعنت والعصيان والتقصير…
– من حق المتعلم على المُعلم التربية على أخلاق الرحمة والمودة والحِلم والأناة والاستبشار والتفاؤل والشجاعة، ورفض ثقافة الاستكبار واليأس والتشاؤم. دون إغفال مراعاة الأستاذ للسن الحرجة التي يمر منها التلاميذ، فهي تتطلب وعيا وتفهما وصبرا وتتبعا.
– من حق المتعلم على المُعلم التشجيع على المشاركة والحضور الإيجابي وامتلاك الخبرة وروح الاقتراح والمبادرة والاقتحام عوض الانتظار والكسل والتبعية ولوم الآخرين…
– من حق المتعلم على المُعلم احترام الكرامة الآدمية في التلميذ وتفهم مواقفه وميولاته وأذواقه، ما لم يظلم أحدا أو يشوش على سير الدراسة أو ينحرف انحرافا حادا يحتاج معه إلى وسائل أخرى تخرج عن تخصص المعلم….
وفي الأخير نذكر بأن حقوق التلميذ على الأستاذ لا تتحقق مُجتمعة وعلى الوجه المطلوب في غياب وضعية تربوية تعليمية سياسية حاضنة تؤسس لعالَم تربوي تعليمي عمارته تهيئة الإنسان ليكون في مستوى المسؤولية الإنجازية الكبرى التي تقع على عاتقه حتى ينعتق من أغلال القعود وأقفال الجمود.

————————————————————
1- جون بياجي، "إلى أين تسير التربية؟".
-Piaget J., Ou va l’éducation, Denoël/Gonthier, Bib. Mediation, U.N.E.S.C.O, Paris,1972,P:133.

………………………………………….. ……………………..

بقلم: ذ. أحمد الفراك

خليجية
نقلا عن موقع الجماعة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.